فأما وجه خروجهم عن دين المسلمين فلإجماعهم على أن أقل نعمة الله سبحانه على خلقه يستحق بها عليهم أن يعبدوه ويطيعون. وإذا ثبت ذلك لم يستحق عليه ثواب، ولو كان الثواب على العمل مستحقًا عليه لم يكن له عليهم من الإنعام ما يجب به طاعته، كما أنه لما استحق بعضًا على بعض أجرة عمله لم يستحق عليه الطاعة بالعبادة. فبان بذلك خروج هذا القول عن دين الأمة.
وأما كونه نقضًا لمذهبهم فلأنهم يزعمون أن جميع ما أوجبه الله سبحانه وندب إليه، وسائر ما حرمه وتوعد عليه هو نفسه واجب كالمعرفة وشكر النعمة والاعتراف بالربوبية، أو داعٍ إلى فعل ذلك وقبيح لنفسه واجب تركه بقضية العقل، أو داعٍ إلى فعل قبيح هذه سبيله، وإذا كان العقل يوجب على العاقل المكلف فعل ما أمره الله به وترك ما نهاه عنه، فمن أين يجب استحقاق ثواب على ترك أو إقدام؟ والعاقل إنما فعل من ذلك ما وجب عليه، فهو لذلك بمثابة قاضي الدين منا والخارج عما يلزمه فعله في أنه غير مستحق لثواب على ذلك. وهذا واضح في إبطال قولهم.
فأما دعواهم استحقاق الثواب الدائم على أعمال متقطعة فإنه باطل لو كان الثواب مستحقًا لما قد بيناه في غير هذا الموضع، فكيف وقد بينا أنه غير مستحق. وقد تقصينا الكلام في هذا الفصل في أصول الديانات في فصول القول/ ص 290 في التكليف والوعيد والإعادة والتعديل والتجوير بما يغني يسيره الناظر فيه إن شاء الله.