والمجنون، ولوجب صحة مدحهم على ما يفعلون وذمهم إذا لم يفعلوا، والوصف لهم بأنهم طائعون مثابون وعصاة معاقبون حتى يكونوا في ذلك كالمكلفين الموجودين، ولما كان ذلك باطل بإجماع الأمة لم يجز كون المعدوم ومن جرى مجراه مأمورًا.
فيقال لهم: إن عنيتم بصحة ذمهم ومدحهم وإثابتهم وعقابهم ووجود تسميتهم عصاة وطائعين كونهم كذلك عند الوجود وزوال الطفولية والجنون، ووجود شرائط التكليف وتضيق الفرائض عليهم، فذلك واجب باتفاق، وصحيح على ما ألزمناهم.
وإن عنيتم بذلك لزوم هذا الأمور لهم قبل البلوغ والوجود والإقامة، وحصول شرائط العبادة. فذلك باطل، لأنهم لم يلزموا في هذه الأحوال فرضًا مضيفًا حاضرًا وقته واجتناب شيء أقدموا على إصابته. ولا هم في هذه الأحوال مفرطون في أمر تضيق عليهم تفيذه، ولا راكنون لذنبٍ لزمهم اجتنابه، يستحقون بالإقدام والاجتناب مدحًا وذمًا وثوابًا وعقابًا.
وإذا كان ذلك كذلك سقط - أيضًا - ما توهموه. وكل من لزمه حكم الأمر وموجبه بشرط بلوغه إليه فلم يبلغه لم يلزمه تنفيذ موجبه. ويجب على هذا أن يكون من لم تبلغه دعوة الإيمان لم يلزمه فعله، لأنه لا يجب عقلًا، وإنما يجب سمعًا ويجب على هذا الأصل أن يكون من بلغته الدعوة ولزمته الإيمان. و (من) لم يبلغه تفصيل فرائض الدين - ولم يكن له إلى علم ذلك سبيل بأن يكون في دار الكفر، وبحيث لا يجد من يبلغه - غير مخاطبٍ بها، ولا يمتنع من ذلك أن يكون فعل ما لم يبلغه وجوبه عليه إذا بلغه وتسميته نصًا، أو منع ذلك لا طائل فيه بعد أن يسلم أنه لم يكن وجب عليه ما لم يبلغ وجوبه إليه للكلام، ولا يمكن من العلم/ص 289. وهذه جمل في هذا الباب كافية.