يقال لهم: أما دعواكم أنه لا يجوز أن يكون أمرا بفعل غير معين. فإن ذلك الفعل قد خير المكلف بين فعله وفعل مثله في غير وقته، فإنه نفس الخلاف، فلم قلتم ذلك؟.

فإن قالوا: لأن أمره بالفعل ليس في ظاهره أنك مخير بينه وبين غيره.

قيل لهم: وليس في ظاهره أنك مأمور بفعل واحد من الجنس معين بوقت مخصوص دون مثله، فلا يجب أن يقولوا بذلك.

ويقال لهم: ما أنكرتم من أنه متى قيل له: صل أو ضرب أو صم، ولم يعين له وقتاً من وقت. فقد دل بذلك على لأنه أمر له بفعل من الجنس غير معين، ولم يلزم إيقاعه في وقت مخصوص. ولا أريد من الجنس جزءاً مخصوصاً. وإنما أريد أن يفعل جزءاً من الجنس يقع عليه اسم الفعل في أي وقت شاء إن علم أنه سيوقع المأمور به، كما أنه إذا قيل له: اضرب رجلا، وتصدق على فقير، ولم يخص رجلا من رجل، علم بذلك أنه قصد إلى إيجاب الفعل بغير تعيين في أحد بعينه. وإن كنا نعلم أن كل ضرب يفعل في شخص فإنه غير الضرب المفعول في غيره، أو ما من سبيله أن يفعل في غيره، وإن لم يرد بلفظ التخيير بأن يقال له: اضرب من شئت. وهذا بين في سقوط ما اعتمدوا عليه.

وأما قولهم: إن الإجماع قد حصل على أن تقديم الفعل مصلحة وأداء للواجب، وتبرأ به الذمة، وأن ذلك دليل على أن ما يقع بعد ذلك ليس بواجب ولا مصلحة/ ص 241 فإنه قول ظاهر البطلان لأنه ليس في الإجماع على أن تقديمه مصلحة وأداء للواجب دليل على أن فعله متأخر ليس بواجب ولا مصلحة. وهذا هو الذي يحتاجون إليه، ولا إجماع فيه، فبطل ما قالوه.

واعتمدوا - أيضا - في ذلك على أن قالوا يدل عليه أنه لو كان على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015