ومما يقتضي الفرق بينهما أيضا أن الاعتقاد بما يتضمنه العلم بوجوب الفعل لا محالة والتصديق للمخبر عن وجوبه. وترك الإصرار على معصيته. وذلك أن الأمر لا يستقر وجوبه إلا مع العلم بأنه واجب، أو التمكن من العلم بذلك. فإذا أمر بإيقاع الفعل والتقرب به معجلاً أو مؤجلاً فلابد من إعلامه وإشعاره بذلك، ومتى علم وجوبه حصل معتقداً لذلك، لأن الاعتقاد لوجوبه ليس بمعنى أكثر من العلم بوجوبه. فصار إفهام الوجوب متضمنا لاعتقاد الوجوب. وهذا الاعتقاد علم من فعل الناظر المستدل على وجوب ما أمر به. وليس لا يصح له العلم بوجوب الفعل إلا بعد إيقاعه فضلاً عن تقديمه، لأنه لو علم وجوبه واعتقد ذلك لصح أن يتركه جملة ويعصي بتركه. فإذا علم وجوب ما وقت بوقت متأخر وجب اعتقاد الوجوب معجلة وتأخر الفعل، وحال كونه عالماً بوجوب الواجب عليه مع تأخر انتقاد وجوبه، لأن نفس الاعتقاد لوجوبه هو العلم بالوجوب، فافترق الأمران، ولأن الله سبحانه إذا أوجب على العبد فعلة فقد أخبره باستقرار وجوبه عليه، ولزمه عند ذلك/ اعتقاد كونه واجبا لكي يكون بذلك مصدقا لخبر الله عز وجل عن إيجابه عليه، وإلا وجب كونه مكذباً له أو شاكاً في خبره، وذلك محرم بإجماع المسلمين، وهو ل يحتاج في تصديق الخبر عن إيجاب الواجب إلى إيقاع فعل الواجب. ولابد متى علم وجوب الفعل عليه واعتقاد ذلك وتصديق المخبر عن وجوبه أن يكون عازماً على أداء ما اعتقد وجوبه، أو تاركاً لهذا العزم، وقد اتفق على تحريم ترك هذا العزم في كل وقت، لأنه لا يتركه مع ذكر العبادة إلا بالعزم على ترك الواجب، وذلك عصيان من المكلف بإجماع الأمة، وليس في تأخير الفعل عصيان، فافترق الأمران.

فصل: واستدلوا على ذلك بأن قالوا الدليل عليه إنه لا يخلو الأمر المطلق بغير توقيت من أحد ثلاثة أمور: إما أن يكون أمره بفعل الشيء على الدوام والتكرار،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015