القعود استحال أن يكون الأمر بالشيء نهيا عن ضده. وهذا باطل من وجهتين:

أحدهما: ما بيناه فيما سلف من أنه لا ضيغة لهما, فبطل ما قالوه.

والوجه الآخر: إنه لوثبت لهما صيغة يصح أن يقال إن الأمر بالشيء هو نفس النهي عن ضده من جهة المعنى لا من جهة اللفظ. لأن أهل اللغة قد وضعوا قولهم قد أمرتك بالشيء وأوجبته عليك لإفهام وجوبه, وإفهام النهي عن تركه معقول من قولهم أوجبت عليك القيام ما يعقل من قولهم وحظرت عليك القعود, وكل ضد للقيام. فإن قال ذلك على أثر قول أوجبت عليك القيام فمن جهة التأكيد. وذلك نحو قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا البَيْعَ} لأنه لو جرده عن قوله: وذروا البيع، لفهم منه تحريم كل ما ضاد السعي إلى الصلاة من بيع وغيره. وإنما خص البيع بالذكر، لأنه معظم الشغل وأكثره. وإلا فهو وغيره في هذا بمعنى قوله:" وذروا ما يشغل عنه ويمنع منه" فبطل ما قالوه.

وهذا جار مجرى مفهومات الخطاب التي لم تذكر بأخص أسمائها, نحو ما ذكرنا من قوله عز وجل {فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} وقوله تعالى: {ولا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً}. وقوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}. ومفهوم هذا غير منطوق به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015