جميع أضداده من غير أن يقال إذا كان أمرا به على غير وجه التخيير، لأجل أننا قد بينا فيما سلف أنه قد يخبر المأمور بين فعل الشيء وضده, كما يخير بين فعله وفعل خلافه. ولا يمكن أن يكون الأمر بالشيء على وجه التخيير بينه وبين ضده نهيا عن ضده, على ما بيناه سالفا.
وليس لما يهذون به في هذا الباب من قولهم لو أمكن أن يكون الأمر بالشيء نهيا عن جميع أضداده لصح وأمكن أن يكون النهي عنه أمرا بالدخول في جميع أضداده أو في ضدين منها, بل إنما يجب أن يكون النهي عنه أمرا بالدخول في ضده الواحد أو بعض أضداده وجه, فالعكس في هذا باطل غير واجب. والفصل بين الأمرين إنه إنما جاز أن يكون الأمر بالشيء على غير وجه التخيير نهيا عن جميع أضداده نحريما أو ندبا, لأجل حصول العلم بالإجماع لجواز خلو الفاعل للفعل في حال كونه متلبسا به من جميع أضداده وامتناع وجود فعله معها أو مع شيء منها, وذلك نحو الفاعل للكون في المكان التارك بفعله جميع الأكوان المضادة له في الجهات والأماكن المتغايرة. ولا يمكن إذا ترك الكون في المكان المعين دخوله في فعل الكون في مكانين والمصير إلى جهتين. هذا باطل ومعلوم فساده بأول في العقل. فلم يجب قياس الأمر على النهي في هذا الباب. وهذا الذي ذكرناه هو المفسد لقول من قال: إنه لو كان الأمر بالشيء نهيا -[227]- عن ضده لوجب أن يكون الأمر بمأمور به من ثلاث أضياء متضادة نهيا عن ضده. وأن يكون النهي عن الضد الثاني أمرا بالضد الثالث, لأنه إذا وجب أن يكون الأمر بالشيء نهيا عن جميع أضداده لم يجز أن يكون الآمر به والمستدعي أمرا بشيء من أضداده مع الأمر به فبطل، ما قالوه.