وبوجوبه وسقوطه. وإذا كنا نعلم أن الله تعالى قد حكم بحسن ما اعتقد بعض الخلق قبحه والنفور عنه, وبقبح ما قد اعتقد بعضهم حسنه وأمر به, وبقبح ما اعتقد بعضهم فيه أنه ليس بحسن ولا قبيح بطل أن تكون طريق معرفة حكمه بحسن الحسن وقبح القبيح اعتقاد الخلق أو بعضهم بحسنه أو قبحه, أو لميلهم إليه وشهوتهم له أو نفورهم عنه, أو التذاذهم به وانتفاعهم بتناوله, أو بتألمهم به واستضرارهم بنيله, ولأن هذا يوجب أنه تعالى قد حكم بأنه حسن وقبيح وأنه ليس بحسن ولا قبيح لاعتقاد من اعتقد كونه كذلك قبل السمع وهو الصحيح, وإذا كان ذلك باطلًا بطل ما قالوه من كل وجه.

وكذلك فلا يجوز أن يقبح الشيء أو يحسن أو يجب أن يسقط لأمر بعض العباد به أو نهيه عنه, لأنهم في ذلك شرع واحد, ولأنه ليس بأن يجب الفعل على العبد بأمر غيره من الخلق له به أولى من أن يجب على الأمر بذلك بأمر المأمور له به ويجب عليه ترك الأمر بما أمر به لأمر غيره بتركه, ولأن هذا يوجب أن يكون الشيء واجبًا ساقطًا إذا أمر به بعض الخلق وحظره وحرمه بعضهم ونهى عنه, وإذا بطل ذلك ثبت بهذه الجملة أن التحسين والتقبيح والإباحة والحظر والإيجاب والندب وكون الشيء طاعة وعصيانًا أحكام لا تثبت لأنفسها وأجناسها, ووجوه هي في العقل عليها ولا لأمر أحد من الخلق بها أو نهيه عنها أو حكمه فيها, ولاعتقاد أحد منهم بحسنها وقبحها أو الانتفاع أو الاستضرار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015