موجب أمره على وجه ما تناوله. فإن صدر على وجه الوجوب امتثل واجبًا, وإن عمل ذلك ندبًا لم يكن ذلك إتباعا له, وإن صدر منه ندبًا فعمل واجبًا كان مخالفة له, ولم يكن إتباعا له, فنفس المتابعة له إنما هي إيقاع موجب أمره على وجه ما ورد به, وذلك لا يتبين بنفس قوله: فاتبعوه, فبان بذلك أنه لا تعلق لهم في الظاهر من كل وجه.
وعلى هذا النحو والترتيب الجواب عن تعلقهم بقوله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وأمثاله, لأنه قد يأتينا بالواجب والندب, ويجب الأخذ بكل شيء من ذلك على ما أتى به, وقد يأتي بالإباحة والحظر, فقوله عز وجل: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ} لا يكشف عن نوع ما يأتي به من أحكام الخطاب, وقد بينا أن قوله "فخذوه" وقوله "فانتهوا" أمر ونهي, وهو محتمل للواجب والندب, فبطل التعلق بالظاهر.
ويقال لهم أيضًا: إن الاستدلال بهذه الظواهر استدلال منكم بعموماتها, ونحن لا نقول بالعموم لما نذكره من بعد, فبطل التعلق بها.
وكذلك الجواب عن قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} , وأنه إنما ذمهم لتركهم ركوعًا أمروا بقوله: {ارْكَعُوا} وقوله تعالى {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} فوجب حمل الأمر على الوجوب, وهذا - أيضًا - بعيد من التعلق, لأنه تعلق في حمل الأمر على الوجوب بصيغة القول "افعل" هي محتملة للأمر وغيره, ولو كانت أمرًا لاحتمل الواجب والندب, ولم يجب ذم من لم يركع