وإنما يحمل على الندب بقرينة الأمر حيث كان لخصمه أن يقول بل مجرده, ومطلق كونه أمرًا موضوع في لغتهم لإفادة الندب دون الإيجاب, وإنما يجب حمله على الإيجاب بقرينة, وإذا تكافأت هذه الدعاوى وتقاومت صح ما قلناه من أنه ليس مطلق كونه أمرًا ومجرده موضوعًا لأحد الأمرين, بل هو مشترك فيهما ومتردد بينهما وواجب حمله على أحدهما بما يضامه من القرائن.
ومما يدل على ذلك - أيضًا - ما قد بيناه من أن الندب مأمور به على الحقيقة فلا يجب حمله على إحدى حقيقته إلا بقرينه, كما أنه إذا كانت الطاعة تكون واجبة وتكون ندبًا, والواجب يكون موسعًا ويكون مضيقًا ومستحق العين وذا بدل يسقط إليه, وكان الموجود ينقسم إلى قديم ومحدث لم يجز أن يعلم كون الأمر واجبًا أو ندبًا من حيث كان أمرًا, كما لا يعلم كونه من أحد القسمين بكونه طاعة وقربة, وكما لا يجب حمل القول موجود على القديم في الحقيقة دون المحدث أو المحدث دون القديم, وكذلك سبيل القول في جميع ما جرى هذا المجرى, فوجب بذلك إيقاف كونه واجبًا أو ندبًا على الدليل.
ومما يعتمد عليه في ذلك وفي منع صيغة الأمر والنهي ولفظ وضع للعموم وأمثال هذه الأصول إنه لو كان فائدة مجرد الأمر وموضوعه في اللغة الوجوب دون الندب, أو الندب دون الوجوب لم يخل من أن يكون طريق العلم بكونه مفيدًا لأحد الأمرين العقل أو السمع, وقد اتفق على أنه لا عمل للعقل بضرورته أو دليله في ذلك وأنه ليس مدعي قصة العقل لحمله على أحدهما أولى من مدعي