فصل: فإن قيل: ما معنى قولكم أن المباح مخير في فعله وتركه الجاري مجراه. وأنه وتركه الذي هذه حاله سيان؟
قيل: معناه أن المباح قد يترك بالمعصية الحرام ويترك بالنفل من الأفعال, ويترك بمثله من المباح, ويترك بواجب موسع وقته, ولا يصح أن يكون له ترك مضيق مستحق, لأنه لم يصح إباحة ضد الفعل في وقت تضيقه واستحقاقه. فإذا ترك المباح بالنفل ترك بمأمور به هو خير من فعل المباح, وإن ترك بواجب موسع وقته ترك بفرض ليس بمباح, وإن ترك بمعصية حرام ترك تركا محرما محظورا, غير أنه لم يكن محرما من حيث كان تركا للمباح, لكن لتعلق النهي بذلك الترك لأنه قد يشركه في كونه تركا للمباح وما ليس بحرام من المباح المساوي له والنفل والواجب الموسع وقته, فلذلك كان مخيرا بينه وبين مثله وما جرى مجراه. وهو ترك الذي هذه حاله سيان. وليس لأحد أن يعتل في أن المباح مأمور به, فإن من تروكه المحظور الحرام, والحرام واجب تركه, لأننا قد بينا أنه لم يجب ترك الحرام لكونه تركا للمباح من حيث ثبت أن للمباح تركا, مثله لا يجب تركه, ولو كان المباح مأمورا به لأن من تروكه الحرام الواجب تركه لوجب لا محالة أن يكون المباح واجبا لازما فعله إذا ترك به المحظور الحرام, ولما اتفق على فساد ذلك بطلت هذه الشبهة, وثبت أن المباح ليس بواجب ولا مأمور به.
فصل: فإن قال قائل: أفتقولون إن المباح داخل تحت التكليف؟