وكذلك قول القائل منهم: أطلقت لكم المزورة وحظرت عليكم اللحم والعسل, إنما يفهم من ذلك تحليل الأكل وتحريمه دون اللمس والنظر. فقول من قال هذا مجمل لا يفهم معناه, لأجل أن الأعيان غير مقدورة للعباد ولا يصح تحريمها ولا تحليلها قول بعيد خارج عن تعارف أهل اللغة, فوجب اطراحه.
وقد زعم قوم أن هذا الضرب من الخطاب ونحوه هو من باب المحذوف منه, وبمثابة قوله تعالى: {واسْأَلِ القَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا والْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} أي أهل القرية وأصحاب العير, فحذف لفهم معناه, وكذلك قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} محذوف منه أكل بهيمة الأنعام, وكذلك قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ والدَّمُ ولَحْمُ الخِنزِيرِ} المفهوم منه أكل ذلك فحذف للعلم به, وهذا- أيضًا- ليس ببعيد, لأنه قد علم أن المراد به ما ذكروا أنه حذف منه, وليس الغرض من ذلك وصفه بأنه مجازًا ومحذوف [؟ مجاز أو محذوف] , وإنما الغرض حصول العلم بالمقصود منه, وإفساد قول من زعم أن المراد به إذا لم يكن في نص الخطاب لم يكن مفهومًا, ووجب الوقف فيه, وكونه غير دلالة على شيء. وهذا القول خلاف على الأمة وكافة أهل اللغة ومحدثه عندهم ليس بمحل من يفهم الخطاب فضلاً عن المناظرة على معناه.
ولحق- أيضًا- بهذا الباب قوله سبحانه: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا