فصل: لا مجال للعقل في تقبيح شيء من الأفعال أو تحسينه

فصل

فأما ما يدل على أنه لا مجال للعقل في تقبيح شيء من الأفعال أو تحسينه, فقد بيناه وكشفناه في كتب أصول الديانات بما يغني الناظر فيه.

ومن أقرب ما يدل على ذلك أنه لو كان طريق العلم بحسن شيء من ذلك أو قبحه العقل لم يخل أن يكون معلومًا بضرورة العقل أو دليله, ومحال أن يكون معلومًا بضرورته مع جحدنا وجحد أكثر العقلاء للعلم بقبح شيء من جهة العقل, وقول سائرهم بأنا لا نعلمه إلا بدليل السمع, لأن ما علم بضرورة العقل, فالعقلاء فيه مشتركون, ولا يجوز أن يجمع على جحده منهم قوم بهم ثبتت الحجة وينقطع العذر, ويعلم صدقهم ضرورة فيما يخبرون عنه. فبطل بذلك أن يكون معلومًا بضرورة العقل, وقد اتفقنا وإياهم على أنه غير معلوم بأدلة العقل, لأنه لو كان ذلك كذلك لصح أن يجهل حسن العدل والإنصاف وشكر المنعم وقبح الظلم والعدوان وكفران الإنعام كثير من العقلاء إذا قصروا في النظر أو عدلوا عنه جملة وهذا باطل عندهم, فثبت بذلك أنه لا سبيل لهم إلى علم شيء من ذلك من جهة العقل.

وقولهم بعد هذا: أنتم تعلمون قبح هذه الأمور وحسنها عقلًا وضرورة وتظنون أنكم تعلمون ذلك دليلًا وسمعًا, لأن العلم بأن العلم ضرورة أو كسب طريقه النظر لا الضرورة بمثابة قولنا لهم بل أنتم تعلمون ذلك كسبًا ونظرًا ودليلًا, وإنما تظنون أنكم تعلمون ذلك عقلًا واضطرارًا, لأنه قد غلط قوم واعتقدوا أن كثيرًا من علوم الاكتساب علوم ضرورية, كما اعتقد قوم أن بعض العلوم الضرورية علوم كسبية, وهذا اعتقدوه وإن وصفوا العلوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015