الأحكام التي قدمنا ذكرها أحكام عقلية غير شرعية.
ومعنى إضافتها إلى العقل أنها مما يعلم كون الفعل عليها بقضية العقل المنفرد عن السمع وقبل مجيء السمع, وكل حكم للفعل علم من هذا الطريق مما ذكرنا وأضربنا عن ذكره فإنه حكم عقلي ليس بشرعي, ولا نعني بذلك أنه لا يصح أن يرد الشرع بالإخبار عن كونها كذلك وتأكيد أدلة العقل على أحكامها, وإنما نعني أنها مما يعلم بها عقلًا, وإن لم يرد السمع, وقد دخل في هذه الجملة سائر أفعال العباد المكلف منهم وغير المكلف, وأفعال سائر الحيوان - أيضًا - لأنها كلها لا تنفك من الأحكام التي ذكرناها.
والضرب الآخر من أحكامها أحكام شرعية, وهي التي تختص بها أفعال المكلفين من العباد دون غيرها, وذلك نحو كون الكسب حسنًا وقبيحًا ومباحًا ومحظورًا وطاعة وعصيانًا وواجبًا وندبًا وعبادة لله وقربة وحلالًا وحرامًا ومكروهًا ومستحبًا, وأداء وقضاء ومجزئًا صحيحًا وفاسدًا وعقدًا ماضيًا نافذًا صحيحًا أو باطلًا وفاسدًا فكل هذه/ ص 44 الأحكام الثابتة للأفعال شرعية, لا سبيل إلى إثبات شيء منها والعلم به من ناحية قضية العقل, وهذا هو معنى إضافتها إلى الشرع, لا معنى لها سوى ذلك, غير أنه لا يمكن أن يعرف أحكامها الشرعية إلا كامل العقل ومستدل بعقله على صحة السمع, وصدق مورده, وتلقي التوقيف على هذه الأحكام من جهته, ولولا ورود السمع بها لما علم بالعقل شيء منها لما نبينه وندل عليه من بعد.