الدليل قد دل على أنها كلها من جنس واحد، فلو كان العقل جوهرا لكان من جنس العاقل, ولا يستغنى العاقل بوجود نفسه ولكان في كونه عاقلا ما يغنيه عن وجود مثله وما هو من جنسه, وقد ثبت أنه ليس بعاقل بنفسه. فمحال كونه عاقلا بجوهر من جنسه.
ويدل على فساد ذلك أنه لو كان جوهرا لصح قيامه بداية ووجوده لا بعاقل, ولصح أن يحيا ويعقل ويفعل ويكلف, لأن ذلك أجمع مما يصح ويجوز على الجواهر, وفي فساد ذلك أجمع دليل على أنه ليس بجوهر, فيجب لذلك أن يكون عرضا، ومحال أن يكون عرضا غير سائر العلوم، لأنه لو كان ذلك كذلك لصح وجود سائر العلوم مع عدمه حتى يكون العالم بدقائق الأمور غير عاقل, أو وجوده مع عدم سائر العلوم حتى يكون الكامل العقل غير عالم بنفسه ولا بالمدركات ولا بشي من الضرورات، إذا لا دليل يوجب تضمن أحدهما للآخر, وذلك نهاية الإحالة.
ولأنه لو كان غير سائر العلوم لكان لا يخلو أن يكون مثلها أو ضدها وخلافها, أو خلافها وليس بضد لها, فمحال كونه مثلا لها, لأنها مختلفة, والشيء لا يشبه أشياء مختلفة. ولأنه لو كان مثلها لاستغنى بها عن وجوده ولوجب أن يكون عقلا, ويستحيل أن يكون ضدها وخلافها، لأن ذلك يوجب استحالة اجتماعها. وذلك باطل باتفاق, ومجال كونه خلافا, وليس بضد لها, لأنه لو كان ذلك كذلك لجاز وجود كل واحد منهما مع ضد صاحبه ووجود أحدهما مع ضد الآخر حتى يكون العقل موجودا مع الجهل بالضرورات والمشاهدات, أو يوجد العلم بالضرورات, وبكل ضرب من العلوم والدقائق مع -[13]- ضد العقل من الخبال والاختلال، وذلك معلوم فساده بأول في العقل, فثبت أنه لا يجوز أن يكون جنسا مخالفا لسائر العلوم، ووجب أن يكون هو العلوم كلها أو بعضها، ومحال أن يكون هو كل العلوم ضروريها وكسبيها, لأن العاقل يكون عاقلا كاملا مع عدم جميع العلوم النظرية، ولا يجوز أن