على أن ذكر الغاية بحتي وإلى وما يجري مجراهما يدل على أن ما بعدها بخلاف ما قبلها.
وذلك أنهم متفقون على أن القول حتى يعطوا الجزية/، وحتى تنكح زوجاً غيره، وحتى يطهرن كلام غير تام ولا مستقل بنفسه.
وأنه لابد فيه من إضمار، وأن المضمر في الكلام الثاني هو المظهر في الأول المتقدم، وهو قوله تعالى: {ولا تَقْرَبُوهُنَّ} وقوله {فَلا تَحِلُّ لَهُ} فتقديره والمتضمن فيه حتى تنكح زوجا غيره قتيل له وحتى يطهرن فاقربوهن. ولو لم يقدر هذا الكلام الإضمار في الكلام لصار قوله فلا تقربوهن لغواً، لا فائدة فيه اللهم إلا أن يقول: فلا تقربوهن حتى يطهرن، وحتى يتطهرن أو يقمن أو يصلين، ونحو ذلك، فيجعل حتى الأول إحدى الغايتين، والثاني غاية أخرى. ومتى لم يأت بغاية أخرى، ولم يضمر فتحل له. وحتى يطهرن فاقربوهن بطلت فائدة الكلام وخرج عن حد الاستعمال.
ولأجل هذا قبح استفهام قول من قال لا تعط زيداً شيئا حتى يقوم وإلى أن يقوم. وأن يقال له فأعطه إذا قام، لأن هذا مفهوم في الإضمار وتقدير الكلام، وبمنزلة قوله فإذا قام فأعطه، وإنما يضمر ويقدر ويحذف النطق لسبقه إلى فهم كل متكلم باللسان.
ويدل على ذلك - أيضا- أن الغاية نهاية الحكم، وكذلك غاية كل شيء نهايته والسبب الذي ينتهي إليه وينقطع عنده. فلو كان ما بعد الغاية مثل ما قبلها لخرجت بذلك عن أن تكون غاية لتساوي الحال قبلها وبعدها، فلهذا لم يحسن أن يقول القائل: اضرب المذنب حتى يتوب وهو يريد اضربه وإن تاب، لأنه إذا أراد ذلك - أيضاً- مع توبته لغا في كلامه وضربه لأنه لا فائدة لها، فثبت ما قلناه.