قالوا: وعلى مثل هذا جاءت الآيات المُضمنة الأحكام. فقال في موضع: {وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} وأطلق الشهادة في موضع آخر، فتقيد المطلق منها بالمقيد وعقل ذلك المسلمون.
وكذلك فقد عقلت الأمة تقييد آخر جميع المواريث بأن تكون بعد قضاء الدين، لأجل تقييد بعضها بذلك في موضع مخصوص، وذلك قوله: {مِنْ بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} ولم يقيد بذلك في قوله: {ووَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} وقوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} وقوله: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ} وأمثال ذلك، فوجب لأجل هذا أجمع حمل المطلق على المقيد الذي هو من جنسه.
يقال لهم: ما قلتموه من هذا أجمع غير واجب.
فأما تعلقهم بذكر الحذف والاختصار في كلامهم. فالفرق بينه وبين المطلق والمقيد أنه لو لم يحمل الثاني مما ذكر فيما وصفتم على معنى الأول ويُرد إليه ويُقدر الحذف فيه بطل الكلام وخرج عن أن يكون مفيدًا، وإن قدر فيه الابتداء به صار منقطعًا منبترًا وابتداءً لا خبر له، وإن قدر فيه معنى آخر غير الذي بدئ بذكره كان تعسفًا وتركًا لعادة الاستعمال لأننا متى لم نقدر الحذف في قوله: {والأَنفُسِ والثَّمَرَاتِ} وأنه أراد نقص من الأنفس والثمرات لم يكن الكلام مفيدًا، لأنه يتم عند قوله: