وإذا وردا متعارضين من كل وجه عاريين من ترجيح أحدهما على الآخر بوجه أو دليل قاطع يوجب العلم بأحدهما نفر ذلك من الطاعة فهو الوهم الباطل والتناقض من كلام صاحب الشريعة، فلم يكن بد من وجود أمرٍ يوجب العمل بموجب أحدهما.
قيل: هذا باطل، لأن من حق المسلم العالم أن يعلم أن صاحب الشرع لم يوردهما إلا في زمانين على سبيل النسخ، وإنه لا يجوز إيرادهما من جهته معًا. وفي اعتقاد ذلك والنظر فيه تعريض لثواب عظيم وتشديد لمحنة المكلفين.
ولو كان ما قالوه من هذا صحيًا لاستحال في صفة الله سبحانه إنزال شيء من كتابه متشابهُا يتبعه الملحدون والذين في قلوبهم زيغ، لأنه تنفير ومفسدة مع قدرته على إنزاله محكمًا غير متشابه.
وكذلك فكان يجب أن لا ينسخ آية بأية لإخباره عنهم إذا بدل آية مكان أية قالوا لرسوله: إنما أنت مفتر. ولما لم يجب ذلك وكان في إنزال هذا النسخ على هذه السبيل تشديد للمحنة وتعريض لأحوال المثوبة، فبطل ما قالوه.
فإن قالوا: ولا يكون في أقواله وإيراده متعارضًا فائدة.
قيل: إن الله سبحانه ورسوله عليه السلام: لا يوردانه متعارضًا ولا يصدر منهما إلا على جهة النسخ، ولابد أن يعلم ذلك المتعبدون من الصدر الأول ومتلقو الخطاب عن الرسول عليه السلام. فالفائدة حاصلة لهم والامتحان بالنظر إليهما لازم لنا والعلم بأنه لا يرد منفصلًا على سبيل النسخ، فبطل ما قالوه.
وإن قالوا تعري المتعارضين من الترجيح يوجب تكافي أدلة الشرع.