وقد قال قوم ممن زعم أن مجرد فعله يقع به بيان تخصص العام أن فعله لطوافين بيان لقوله طواف واحد، وأنه أراد بقوله طواف واحد الجنس والهيئة والصفة، وأكد ذلك بأن القول متعلق بغيره، والفعل أصل له حكم نفسه لا احتمال فيه، وقوله طوافًا واحدًا يحتمل واحدًا في العدد وواحدًا في الصفة والهيئة. وما قدمناه أولى من أنه لا يكون بمجرد وقوعه دون أن يقول إنه بيان لما أمرنا به.
وقيل: إن من هذا الباب أيضًا نهيه عليه السلام عن استقبال القبلة أو استدبارها بغائط أو بول ورواية عبد الله بن عمر أنه رآه عليه السلام مستقبل بيت المقدس على سطحه وهذا أيضًا محتمل لوجوه:
أحدها: أن يكون نهي عن ذلك في الفيافي والقفار وحيث لا سترة، ورآه عبد الله مستقبلًا لسترة.
ويحتمل أيضًا أن يكون ذلك نهيًا عن استقبال الكعبة بذلك دون غيرها وإن كان رآه مستقبل بين المقدس بعد نسخ التوجه إليها.
ويحتمل أيضًا أن يكون مخصوصًا بإباحة ذلك له، لأنه لم يفعله من حيث يعلم أنه يراه أحد من الأمة، فيكون ذلك بيانًا لمن يراه ومن ينقل الفعل إليه، لأن من حق ما يبين الفعل اعتماد وقوعه بحضرة من ينقله وثبت التعبد بالعلم والعمل به. فإن شُرع وجوب العلم والعمل بذلك وجب إلقاؤه بحضرة عدد يقع بخبرهم العلم، وإن أريد به العلم فُعل بحضرة من ينقله، وساغ الاجتهاد في عدالته والعمل بخبره. فأما ما يستتر به فبعيد أن يفعله على وجه البيان.