وكان العيارون قد انتزوا بهذا الخاسر على المستظهر فقتله، واستولى على الامر واعتقلنا حيث ذكرنا. وكنت مفكرا في مسألة عويصة من كليات الجمل التي تقع تحتها معان عظيمة كثر فيها الشغب قديما وحديثا في احكام الديانة وهي متصرفة الفروع في جميع ابواب الفقه، فطالت فكرتي فيها أياما وليالي إلى ان لاح لي وجه البيان فيها وصح لي وحق يقينا في حكمها وانبلج، وانا في الحال الذي وصفت فبالله الذي لا اله الا هو الخالق مدبر الامور كلها اقسم، الذي لا يجوز القسم بسواه، لقد كان سروري يومئذ وانا في تلك الحال بظفري بالحق فيما كنت مشغول البال به واشراق الصواب لي اشد من سروري باطلاقي مما كنت فيه، وما الفنا كتابنا هذا وكثيرا مما ألفنا الا ونحن مغربون مبعدون عن الوطن والاهل والولد، مخافون مع ذلك في انفسنا ظلما وعدوانا، لا نستر هذا بل نعلنه، ولا نمكن الطالب إبطال قولنا في ذلك، إلى الله نشكو، واياه نستحكم لا سواه، لا اله الا هو.

واما الحد الاصغر الذي ينبغي للعاقل ان [90 ظ] [لا] يقصر دونه فلينظر الوقت الذي ينفرد به للفضول من الحديث الذي لا يجزي مع جيرانه أو القعود متبطلا بلا شغل لا من عمل اخرى ولا من عمل دنيا، أو حين مشيه في الارض مرحا، وقد نهاه خالقه عن ذلك، فليجعل هذه الاوقات للتعلم والنظر في العلوم التي قدمنا ورياضة طبعه على العدل الذي هو رأس كل فضيلة، فان العدل يقتضى ان لا يميل لقول على قول الا ببرهان واضح، ويقتضى له أيضاً ان لا يشتغل بالادنى ويترك الافضل، فانه ان فعل هكذا اوشك ان يظفر بما فيه الفوز في الدارين. واما الاوقات التي يشتغل فيها اهل الجهل اما بالذات بالمعاصي واما بظلم الناس في اموالهم واليعي بالفساد في سياستهم والنيل من اعراضهم والجور عليهم، فان اشتغالهم بالامراض المؤلمة لانفسهم المؤذية لابدانهم أعود عليهم من ذلك وافضل فكيف الاشتغال بالعلوم المؤدية إلى خير الدنيا وفوز الآخرة؟ وقد قال الواحد الأول: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (28 فاطر: 3) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيرا يفقه في الدين " ولا فقه الا بمعرفة ما ذكرنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015