وهذان حظان جليلان جدا. واجعل بدل كلامك حمد الله عز وجل على السلامة من مثل حاله ولا تتكلم الا في ابانة حق واستبانته.

واعلم انه انه لا يقدر أحد على هذه الشروط الا بخصلة واحدة وهي ان يروض نفسه على قلة المبالاة بمدح الناس له أو ذمهم إياه ولكن يجعل وكده طلب الحق لنفسه فقط.

وقد ذكرت الاوائل في صفة المنقطع وجوها نذكرها وهي: منها أن يقصد إبطال الحق أو التشكك فيه ومن هذا النوع ان يحيل في جواب ما يسأل عنه على انه ممتنع غير ممكن. والثاني ان يستعمل البهت والرقاعة والمجاهرة بالباطل ولا يبالي بتناقض قوله ولا بفساد ما ذهب إليه ومن ذلك ان يحكم بحكم ثم ينقضه. والثالث الانتقال من قول وسؤال إلى [89 و] سؤال على سبيل التخليط لا على سبيل الترك والابانة. والرابع ان يستعمل كلاما مستغلقا يظن العاقل انه مملوء حكمة وهو مملوء هذرا. ومن أقرب ما حضرني ذكره حين كتابي هذا الشأن من كتب الناس فكتاب ابي الفرج القاضي المسمى " باللمع " فانه مملوء كلاما معقدا مغلقا لا معنى له الا التناقض والبناء والهدم لما بنى. وفي زماننا من سلك هذه الطريق في كلامه فلعمري لقد أوهم خلقا كثيرا انه ينطق بالحكمة واعمري ان اكثر كلامه ما يفهمه هو فكيف غيره. والخامس ان يحرج خصمه ويلجئه إلى تكرار بلا زيادة فائدة لأنه يرجع إلى الموضوع الذي طرد عنه ويلوذ حواليه ولا تقوى ولا مزيدا اكثر من وصف قوله بلا حجة. والسادس الايهام بالتضاحك والصياح والمحاكاة والتطييب (?) والاستجهال والجفاء وربما بالسب والتكفير واللعن والسفه والقذف بالامهات والآباء وبالحري إن لم يكن لطام وركاض. واكثر هذه المعاني ليست تكاد تجد في اكثر اهل زماننا غيرها. والله المستعان.

والناس في كلامهم الذين فضلوا به على البهائم والذي لولاه كانوا من اشباه الحمير والبقر، على ثلاثة أصناف: فصنف لا يبالي فيما صرف كلامه مبادرا إلى الانكار أو التصديق أو المكابرة أو المكابرة دون تحقيق فان سألته إثر انقضاء كلامه عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015