واعلم ان من رضي بهذا فهو مغرور (?) سبيله سبيل صاحب الأماني وإنها بضائع النوكى؛ والمغرى بها يلتذ فيها [88و] حتى إذا ثاب إليه عقله ونظر في حاله علم انه في أضاليل وانه ليس في يده شيء.
واياك والالتفات إلى من يتبجح بقدرته في الجدل فيبلغ به الجهل إلى ان يقول: إني قادر على ان اجعل الحق باطلا والباطل حقا فلا تصدق مثل هؤلاء الكذابين فانهم سفلة أرذال أهل كذب وشر ومخرقة.
واعلم انه سبيل إلى ذلك لأحد ولا هو في قوة مخلوق أصلاً والتمويهات كلها قد بينتها لك وهي مضمحلة إذا حصلت وفتشت لم توجد الا دعاو وحماقات. ومن فاحش ما يعرض في هذه السبيل يلوح البرهان للمرء فيحدوه الالف بما قد ألفه من المذاهب إلى أن يقول: لا بد ها هنا حجة برهان تعارض هذا البرهان وان خفيت عني. واعلم ان هذا مغرور شقي جدا لأنه غلب ظنه على يقينه وصدق ما لم يصح عنده وكذب ما صح عنده واثبت ما لعله ان لا يكون وترك حاصلا قد كان؛ وهذا غاية الخذلان ومثله من ترك برهانا قد صح عنده لتمويه لم يتدبره فحمله التهور على اعتقاده.
وبالجملة فالجهل لا خير فيه والعلم إذا لم يستعمله صاحبه فهو اسوأ من الجاهل، وعلمه حجة زائدة عليه. واياك وتقليد الآباء فقد ذم الله عز وجل ذلك ولو كان محمودا لعذر من وجد آباءه زناة أو سراقا أو على بعض الخلال التي هي اخبث مما ذكرنا ان يقتدي بهم. واياك والاغترار بكثرة صواب الواحد فتقبل له قولة واحدة بلا برهان، فقد نخطر في خلال صوابه بما هو أبين واوضح من كثير مما اصاب فيه. واقنع من خصمك بالجد على أن ينصر قوله ولا تطالبه بالاقرار بالغلبة فليس ذلك من فعال أهل القوة. وهذا باب لا ينتج الا العداوة وان يوصف بلؤم الظفر ولتكن رغبتك في ان تكون محقا عالما في الحقيقة، وان سميت مبطلا جاهلا أحمق مغلوبا، اكثر من رغبتك في ان تسمى محقا عالما عاقلا غالبا وانت في الحقيقة مبطل جاهل مغلوب؛ بل لا ترغب في هذا أصلا واكرهه جدا ولك فيمن وصفه الجهال بذلك قبلك من المرسلين عليهم السلام والأفاضل