قرفوهم به. وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الواسطة بيننا وبين الواحد الأول: " من قال لاخيه يا كافر فقد باء بها احدهما " فنحن نرجو من خالقنا أن نكون ممن يضرب لنا في كشف هذه الغمة بنصيب وافر به حدا يوم فقرنا إلى الحسنات وحاجتنا إلى النجاة بأنفسنا مما يقع فيه الآثمون، ييسرنا لسنة حسنة نشارك من تصرف بعدها ما كنا السبب في علمه إباه، دون أجره، دون ان ينقص من أجره شيء، فهكذا وعدنا الخالق الأول على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء ضرب.
والضرب الثاني: قوم يعدون هذه الكتب هذيانا من المنطق وهذرا من القول وبالجملة فاكثر الناس سراع إلى معاداة ما جهلوه وذم ما لم يعلموه، وهو كما قال الصادق عليه السلام: " الناس كأبل مائة لا تجد فيها راحلة " فرأينا أيضاً أن من وجوه البر إفهام من جهل هذا المقدار الذي نصصنا الذي فضله اولا، ولعمري ما ذلك بقليل إذ بالعلم بهذا المعنى ننأى عن البهائم وفهمنا مراد الباري عز وجل في خطابه إيانا.
والضرب الثالث: قوم قرأوا هذه الكتب المذكورة بعقول مدخولة واهواء مؤوفة وبصائر غير سليمة، وقد اشربت قلوبهم حب الاسنخفاف واستلانوا مركب العجز واستوبأوا نقل الشرع وقبلوا قول الجهال فوسموا انفسهم بفهمها، وهم أبعد الناس عنها وأناهم عن درايتها، وكان ما ذكرنا زائدا في تلبيس هذه الكتب ومنفرا عنها فقوي رجاؤها في اننا في بيان ما نبينه منها يكون السبب في هداية من سبقت له الهداية في علم الله عز وجل، فيفوز بالحظ الاعلى ويحوز القسم الاسنى ان شاء الله عز وجل. ولم نجد احدا قبلنا أنتدب لهذا فرجونا ثواب الله عز وجل في ذلك.
والضرب الرابع: قوم نظروا بأذهان صافية وأفكار نقية من الميل وعقول سليمة فاستناروا بها ووقفوا على اغراضها فاهتدوا بمنارها وثبت التوحيد عندهم ببراهين ضرورية لا محيد عنها، وشاهدوا انقسام المخلوقات وتأثير الخالق فيها وتدبيره إياها، ووجدوا هذه الكتب الفاضلة كالفريق الصالح والخدين الناصح