عليه من الشغب جوازا لا يفرق بينه وبين الحق، ولم يعلم دينه إلا تقليدا، والتقليد مذموم، وبالحرى إن سلم من الحيرة، نعوذ بالله منها. فلهذا وما نذكره بعد هذا، إن شاء الله، وجب البدار إلى تأليف هذا العلم، والتعب في شرحه وبسطه، بحول الله وقوته، فنقول وبالله نستعين:
إن جميع الأشياء التي أحدثها الأول، الذي لا أول على الإطلاق سواه، وقسمها الواحد الذي لا واحد على التصحيح حاشاه، واخترعها الخالق الذي لا خالق على الحقيقة إلا إياه، فان مراتبها في وجوه البيان أربعة، لا خامس لها أصلا وان تناقص منها واحد اختل من البيان بمقدار ذلك النقص.
فأول ذلك كون الأشياء الموجودات حقا في أنفسها، فانها إذا كانت حقا فقد امكنت استبانتها، وإن لم يكن لها مستبين، حينئذ، موجود، فهذه اول مراتب البيان؛ إذ ما لم يكن موجودا فلا سبيل إلى استبانته.
والوجه الثاني: بيانها عند من استبانها وانتقال أشكالها وصفاتها إلى نفسه، واستقراره فيها بمادة العقل الذي فضل به العاقل من النفوس، وتمييزه لها على ما هي عليه إذ من يبن له الشيء لم يصح له علمه ولا الإخبار عنه، فهذه المرتبة الثانية من مراتب البيان.
والوجه الثالث: إيقاع كلمات مؤلفات من حروف مقطعات، مكن الحكيم [3و] القادر لها المخارج من الصدر والحلق وأنابيب الرئة والحنك واللسان والشفتين والأسنان، وهيأ لها الهواء المندفع بقرع اللسان إلى سماخ الآذان، فيوصل بذلك نفس المتكلم مثل ما قد استبانته واستقر منها إلى نفس المخاطب، وينقلها إليها بصوت مفهوم بقبول الطبع منها للغة اتفقا عليها، فيستبين من ذلك ما قد استتبانته نفس المتكلم، ويستقر في نفس المخاطب، مثل ما قد استقر في نفس المتكلم، وخرج إليها بذلك مثل ما عندها، لطفا من اللطيف الخبير، لينتج بما وهب لنا من هذه الخاصة الشريفة، والقوة الرفيعة، والطبيعة الفاضلة