الموضوع، ولعله إنما راعى فيها حجم الكتاب نفسه. وقد ذكر في موضع من كتابه (?) انه بناه على الاختصار، ولكنه في الحقيقة كان يطلق العنان لنفسه كلما وجد الموضوع أمامه يسمح بالانطلاق وخاصة في النواحي السلوكية وآداب المعاملة والأمور العقائدية وما شابه ذلك. فإذا دققنا في التقريب لم نجد شرحا لآراء ارسطاطاليس كما كتب على الورقة الأولى، ولكنه في أكثره تبسيط لأقرب الآراء. هذا وإن مقارنة عابرة بين ما كتبه ابن حزم عن البرهان وبين ما كتبه ابن سينا في كتابه البرهان ليدل على شيء من بعد الاحتذاء أو قربه من الأصل الارسطاطاليسي. ومن مقارنات أخرى نرى ابن حزم ينفرد بالمطمح المنطقي في مواطن كثيرة. والنص الذي ذكره الفارابي في أسماء الكتب الثمانية نفسها هو نفسه دليل على ذلك.
6 - قيمة الكتاب
لم يدع ابن حزم لنفسه شيئا من الابتكار في المنطق بل صرح بأن كتابه هذا يقع تحت النوع الرابع من المؤلفات وهو النوع الذي يتناول شرح المستغلق: " ولن نعدم إن شاء الله ان يكون فيها بيان تصحيح رأي فاسد يوشك أن يغلط فيه كثير من الناس، وتنبيه على أمر غامض، واحتقار لما ليست بطالب الحقائق إليه ضرورة، وجمع أشياء متفرقة مع الاستيعاب لكل ما بطالب البرهان إليه اقل حاجة " (?) .
وقد اتهم ابن حزم؟ كما تقدم - بأنه خالف ارسطاطاليس في بعض أصوله مخالفة من لم يفهم غرضه ولا ارتاض في كتابه واثبات هذه المخافة مما لا تتسع له هذه المقدمة، ولا تتيحه الظروف، ولكنها مخالفة ليست مستبعدة لعدة أسباب منها:
1 - ان ابن حزم تجاوز التمثيل بالحروف والرموز إلى انتزاع الأمثال من مألوف الحياة ومن الشريعة، ومن هنا يسهل دخول الخطأ وتقوم المخالفة.
2 - انه صدر في مفهوماته عن مقدمات دينية لم تكن لدى ارسطاطاليس وان شغفه بالتقريب بين المنطق ولشريعة قد يوقعه في الوهم أو الإحالة.
3 - أنه حكم نظرته الظاهرية في كثير من الأمور فأنكر القياس وأنكر العلية في الأمور الشرعية، وأطنب في بيان المعرفة العقلية، واضعف من قيمة الاستقرار مع أن