من اجتياز نهر النيل لماعرفوا به من الإفساد في الأرض (?)، فتسابقوا إليها وجرت بين الأعراب وبين المعز حروب كثيرة كانت فيها الدائرة عليه، وتمكنوا من دخولها سنة 443 هـ، فخربوها وأتوا على الأخضر واليابس، وتقاسموا مدنها، فمامن قرية إلا وقد سحقت وأكلت، وأهلها عراة أمام حيطانها، من رجل وامرأة وطفل، يبكي جميعهم جوعا وبردا، وانقطع المير عن القيروان، وتعطلت الأسواق (?).
وأما قابس فاستطاع أن يحكمها بعض القواد العرب وذريته وأما تونس فساعدها موقعها المنيع وانفتاحها على البحر لتصبح أهم مدينة يحكمها بنو فرسان، وأما الأمير الزيري فالتجأ إلى المهدية واتخذها عاصمة للدولة الضائعة، التي استولى عليها النورمنديين سنة 1148 م، ثم تم الفتح الإسلامي للمهدية مرة أخرى على يد الموحدين الذين سحقوا القبائل الهلالية وطردوا النورمنديين وعينوا في سنة 1207 م واليا عليها هو عبد الواحد بن أبي حفص الذي أسس فيها مملكة لمدة ثلاثة قرون (?).
وبذلك انتهت حضارة القيروان التي كانت العاصمة الدينية والعلمية والسياسية لإفريقية والمغرب، فهي منذ الفتح إلى أن خربت دار العلم بالمغرب، إليها ينسب أكابر علمائه وإليها كانت رحلة أهله في طلب العلم (?)، فلما خربت جلا أهلها عنها وتفرق من بقي حيا من علمائها في الأمصار (?)، ولم تعد إليها الحياة العلمية إلا بعد أكثر من قرن من الزمان