ولئن ألزموا بالأخذ بتأويل الرسول صلّى الله عليه وسلّم للقسم الثاني وعدم مخالفته، فإنّ المجال أمامهم واسع مفتوح في القسم الثالث، فبإمكانهم أن يقفوا أمامه، وأن يخوضوا فيه، إذا توفرت فيهم الشروط والمؤهلات العلمية لذلك.
ثم إنّ القسم الثالث المخصص لعلماء التأويل كثير في القرآن، بل إن غالب ومعظم آيات القرآن من القسم الثالث، بينما آيات القسمين الأول والثاني قليلة بالقياس إلي آيات القسم الثالث.
وأيضا فإن العلماء يعلمون معاني آيات القسم الأول والثاني، ويمكنهم بيانها وشرحها وتفسيرها، لكنهم لا يقدرون علي تأويلها، بمعنى تحديد حقيقتها وكيفيتها ووقتها وصورتها، أو مخالفة ما قاله الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيها.
وبهذا التفصيل من الإمام ابن جرير الطبري في فهمه للتأويل، نختم كلامنا عن الفروق بين التفسير والتأويل.
التأويل بمعنى الصرف والتحويل:
عرضنا فيما مضي معنيين للتأويل:
الأول: بيان ما يؤول وينتهي إليه الشيء، وتحديد حقيقة الخبر وصورته الفعلية، وأداء الأمر وتحقيقه. وهذا هو معناه في القرآن، وغالب أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وغالب فهم الصحابة.
الثاني: الفهم والتوضيح والبيان، وهو قريب من معنى التفسير، وهذا هو معناه في بعض أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبعض كلام الصحابة، وعند معظم المفسرين، وفي مقدمتهم الإمام ابن جرير الطبري.
ونتكلم هنا عن معنى ثالث للتأويل، هذا المعنى طارئ متأخّر، لم يستعمله الرسول صلّى الله عليه وسلّم ولا الصحابة والتابعون، وإنما استعمله المتأخّرون.
التأويل عند المتأخرين من الأصوليين والفقهاء هو: الصرف والتحويل.