وكان نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم إذا ذكر شيئا من ذلك القسم، لم يدلّ عليه إلا بأشراطه، دون تحديده بوقته، فلما ذكر عليه الصلاة والسلام الدجال، لم يحدّد وقت خروجه، لعدم علمه بذلك الوقت، واكتفي بتحذير أصحابه قائلا: «إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي علي كل مسلم».
فهذا يدلّ علي أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن عنده علم أوقات أشياء تحدث في المستقبل، بمقادير السنين والأيام، لأن هذا خاصّ بالله.
القسم الثالث: يعلم تأويله كلّ ذي علم باللسان العربي الذي أنزل الله به القرآن.
وذلك مثل: إقامة إعراب القرآن، ومعرفة المسميات المذكورة في القرآن بأسمائها اللازمة لها، والموصوفات بصفتها الخاصة بها، فإنّ ذلك لا يجهله أحد منهم.
فلو أنّ سامعا من العرب سمع قول الله تعالى: وإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ولكِنْ لا يَشْعُرُونَ (?). لم يجهل أنّ معنى الإفساد هو كلّ ما فيه مضرة، مما ينبغي تركه، ومعنى الصلاح هو كلّ ما فيه منفعة، مما ينبغي فعله، وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفسادا، والمعاني التي جعلها الله إصلاحا.
فالذي يعلمه ذو اللسان العربي من تأويل القرآن هو ما وصفت، من معرفة أعيان المسميات بأسمائها اللازمة، والموصوفات بصفاتها الخاصة.
ولا يعلم الواجب من أحكام الآيات وصفاتها وهيآتها التي خصّ الله نبيّه بعلمها، فلا يدرك علمها إلا ببيانه عليه الصلاة والسلام.