وإذا قلنا: إنّ التأويل بمعنى التفسير والبيان، وأنّ العلماء يعلمون تأويل متشابه القرآن، فإن هذا القول لا يتعارض مع المعنى اللغوي للتأويل، بل يتفق معه، ويتحقق المعنى اللغوي فيه.
فالتأويل- كما مرّ معنا- هو ردّ الشيء إلي غايته، وحمله علي أصله، وإرجاعه إلي حقيقته، وتحديد عاقبته ومآله.
وتأويل متشابه القرآن- وهو الآيات التي فيها اشتباه في المعني، وإشكال في الدلالة- لا يعلمه الناس العاديون، ولا الذين في قلوبهم زيغ.
إنّ الآية ذمت محاولة الذين في قلوبهم زيغ تأويل متشابه القرآن، لأنهم لا يحسنون تأويله وردّه إلي محكم القرآن، وبذلك يقعون في الفتنة.
بينما مدحت الآية الراسخين في العلم، لحسن تأويلهم لمتشابه القرآن.
فكيف أوّله الراسخون في العلم؟ وكيف تحقّق في تأويلهم له المعنى اللغوي الاشتقاقي للتأويل؟
لقد قام الراسخون في العلم بردّ المتشابه إلي المحكم، وحمل المتشابه علي الأصل المحكم، قاموا بإعادة الأخر المتشابهات إلي أصلها وهو أم الكتاب المحكمات، وفهموا الآيات المتشابهات علي ضوء أصلها من الآيات المحكمات، وبذلك التأويل والردّ أزالوا الاشتباه فيها، وحلوا ما فيها من إشكال، وبذلك أحسنوا فهم الآيات المتشابهات.
وهذا الفعل منهم ردّ الشيء إلي غايته، وإعادة الكلام إلي أصله، وحمله علي مرجعه وأساسه، وهذا هو المعنى اللغوي الاشتقاقي للتأويل.
وبهذا نعرف دقة عبارة الامام الراغب الأصفهاني، وشمولها للمعنيين المذكورين للتأويل، حيث يقول: «هو ردّ الشيء إلي الغاية المرادة منه، علما كان أو فعلا» (?).