{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}:
أي: وإن تصبروا على تلك الشدائد عند وقوعا، وتقابلوها بحسن التحمل، وعدم الجزع، وعفة اللسان، وتتخذوا لكم وقاية منها باللجوء إلى الله، وتساوى المحبوب والمكروه لديكم في سبيل رضاه تعالى، واتخاذ أسباب الوقاية والعلاج من الأمراض والجراح، وإرهاب الخصوم والأعداء بأسباب القوة والغلبة - إن تفعلوا ذلك - فإن الصبر والتقوى منكم، من عزم الأمور والجد فيها. وهو فضيلة يتنافس فيها المتنافسون. وأنتم بها أحق وأولى.
ويجوز أن يكون المعنى: وإن تصبروا وتتقوا، فهو خير لكم، فإن الصبر والتقوى مما يجب أن يعزم عليه كل أحد، لما فيهما من كمال المزية والشرف.
وإنما أَخبرهم بذلك قبل وقوعه، وأمرهم بالثبات والتقوى، ليستعدوا للقائه، فإن هجوم الشدائد قد يزلزل الأقدام. أما الاستعداد لها، فإنه يهون أمرها.
وعبر عن اليهود والنصارى بقوله: {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}: للتنبيه على أن مدار ما يسمعونه منهم من الأذى ينسبونه - كاذبين - إلى كتابهم. وكتابهم منه براء. فهو مدسوس عليه منهم، تحريفاً أو سوء تأويل.
قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (?) ".
ومن أمثلة ذلك قولهم: {إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ} (?) ". وقد رد الله عليهم بقوله: {قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.