سبب النزول:

قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: لما نزل قول الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} (?) قالت اليهود: يا محمد، افتقر ربك فسأل عباده القرض. فنزلت هذه الآية.

وروى البغوي في معالم التنزيل، عن عكرمة والسدي ومقاتل: أنه - صلى الله عليه وسلم -، كتب مع أبي بكر رضي الله عنه، إلى يهود بني قينقاع: يدعوهم إلى الإسلام، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن يقرضوا الله قرضاً حسناً. فقال فنحاص اليهودي: إن الله فقير حتى سألنا القرض. فلطمه أبو بكر رضي الله عنه، في وجهه، وقال: لولا الذي بيننا وبينكم من العهد، لضربت عنقك. فشكاه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجحد ما قاله. فنزلت.

والمعنى: لقد علم الله قول اليهود الذين قالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء: مجترئين - بهذا القول الشنيع - على من لا تنفد خزائنه.

{سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ}:

سنكتب هذه الفرية التي بلغت الغاية في الشناعة والقبح، ونكتب أيضاً: قتلهم الأنبياء بغير حق. ولا يكون قتلهم إلا ظلما. فهم دعاة الحق.

{وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}:

أي: ويقال لهم من جهة الله تعالى، تقريعاً وإهانة - وهم يعذبون بالنار - ذوقوا عذاب الإحراق بالنار. ليجتمع لهم العذاب لجسدي، مع العذاب الروحي.

182 - {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}:

أي ذلك العذاب، عقاب عادل بسبب ما فعلتموه في الدنيا من الآثام، وبأن الله ليس بظالم لعبيده. فبقدر العمل يكون الجزاء. {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ} (?).

ونسبة العمل إلى الأيدي - مع أنه قد يكون بغيرها - لأن أكثر الأعمال تزاول بها.

وصيغة (ظَلاَّمٍ) للنسب: أي ليس منسوباً إلى الظلم، ومن استعمال هذه الصيغة في النسب قولهم: نجَّار: أي منسوب إلى النجارة، وحداد: أي منسوب إلى الحدادة، وعطار: أي منسوب إلى العطارة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015