في قلة من أصحابه، فناله من أذى المشركين ما ناله، حتى أرجفوا بقتله.!! فكان لين الرسول معهم - بعد ذلك - رحمة من رحمات الله به وبهم. إذ كان سبباً في بقاء الإسلام، وجمع قلوب المسلمين.
ولذا قال سبحانه وتعالى:
{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}:
أي: ولو كنت جافي الطبع، قاسِيَ القلب، فعاملتهم بقسوة، وعنّفتهم على ما كان منهم، وأشحت عنهم غضباً عليهم - لنفرت قلوبهم منك، فتفرقوا عنك، ولم تستطع أداء رسالتك، وتبليغ دعوتك على وجهها الأكمل.
فَلِينُهُ - صلى الله عليه وسلم - معهم - على خطئهم وعفوه عنهم - لم يكن عن ضعف، وإنما كان ناشئاً عن الرحمة التي فطره الله عليها.
{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ}:
قال صاحب الكشاف: اعف عنهم فيما يتعلق بحقك، واستغفر لهم فيما يتعلق بحق الله.
{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}:
أي: في أمر الحرب وغيره، من كل أمر له خطر ولم ينزل في شأنه وحي؛ استظهاراً برأيهم، وتطييباً لنفوسهم، ورفعاً لأقدارهم، وتقريراً لسنة التشاور في الأمة الإسلامية.
وقد جاء في الكشاف: وعن الحسن رضي الله عنه: قد علم الله أنه ما به حاجة، ولكنه أراد أن يستن به من بعده.
وقيل: كانت العرب، إذا لم يشاوروا في الأمر، شق عليهم ذلك. فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمشاورة أصحابه، لئلا يثقل عليهم استقلالُه بالرأي دونهم. وكان - صلى الله عليه وسلم -، يدرك - تمام الإدراك - ما للمشاورة من أثر في الوصول إلى الصواب.