يقصد بنبوته: أن يدعو الناس إلى عبادته، وعلى الأحبار الذين يتعبدون الناس من دون ربهم: بتحريفهم كتاب الله عن موضعه لمصلحتهم.
وخلاصة الرد: أن رُسُلَ الله برآءُ مما يصنعه أتباعهم. فإنه لا يعقل أن يأمروهم بهذا الكفر. وذلك هو ما يقوله عيسى عليه السلام، لربه لما يسأله: "أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ" إذ أجاب: "سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ" ثم قال "مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (?).
والآية توجب على أهل العلم أن يقرنوه بالعمل، حتى لا تَزِلَّ قدم بعد ثبوتها.
80 - {وَلَا يَأمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ... } الآية.
(وَلَا يَأمُرَكُمْ): بالنصب، معطوف على "يَقُولَ" في الآية السابقة، داخل معه في حيز ما لا يجوز على الرسل.
والمعنى: ما كان لبشر آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة أن يقول للناس كونوا عبادًا لي من دون الله، ولا أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا .. أيليق به - وهو رسول الله - أن يأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مخلصون منقادون لربكم!!
ومن قرأ: (وَلَا يَأمُرُكُمْ) بالرفع، فعلى الاستئناف.
والمقصود من القراءَتين واحد. وهو استحالة حدوث ذلك من الرسول.
وإذا كان سبب النزول وفد نجران، فلا إشكال في قوله تعالى لهم: (بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ) فإن الإسلام يُراد منه حينئذ، الاستعداد للدين الحق، إرخاءً للعنان ومجاراة لهم.