في الصدور، لأَنه عهد في كلام العرب أَن الخواطر في القلب، والقلب ممَّا حواه الصدر عندهم، أَلا تراهم يقولون: إِن الشك يحوك في صدرك ويجيش في صدري، وما الشك إِلاَّ في نفسه وعقله وقبله.
قال بعضهم: إِن الشيطان يدخل الصدر، فيُلقى منه ما يريد إِلقاءَه إِلى القلب، ويوصله إِليه ولا مانع عقلًا من دخوله في جوف الإِنسان , وقد ورد السمع به فوجب قبوله، والإِيمان به، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الَّشيْطَانَ لَيَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّم) ومن الناس من حمل ذلك على التمثيل.
6 - (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ):
هذه الآية الكريمة بيان للذي يُوسْوِس، على أَن الموسوس نوعان: إِنسي وجني كما قال تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا" (1).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (يَا أَبَا ذَرٍّ: تَعَوَّذْ باللهِ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ) رواه الإِمام أحمد من حديث طويل، أَو (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) يتصل بـ (يوسوس) و (مِنْ) لابتداءِ الغاية، أَي: يوسوس الْمُوَسْوِسُ في صدور الْمُوَسْوِسُ إِليهم من جهة الجن أَنهم ينفعون أَو يضرون، ومن جهة الناس: أَن المنجمين والكهان يعلمون الغيب.
وقد بدئت السورة بطلب الاستعاذة برب الناس، ومن كان ربهم فهو القادر على دفع إِغواءِ الشيطان ووسوسته، وقد أرشد في هذه السورة إِلى الاستعانة به - تعالى شأْنه - كما أُرشد إِليها في الفاتحة، للإِشارة إِلى أَن ملاك الأَمر كله: هو التوجه إِلى الله وحده والإِخلاص له في القول والعمل والالتجاءِ إِليه فيما لا قدرة لنا على دفعه. والله أَعلم.
-
(1) سورة الأنعام: الآية 112.