روى مبارك عن أنس أن رجلًا قال: يا رسول الله، أني أُحب هذه السورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) قال: "إنَّ حُبَّكَ إيَّاهَا أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ" وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي عن أَبي سعيد أن رجلًا سمع رجلًا يقرأُ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يردّدها فلمَّا أصبح جاءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ" ولقد جاءَ أنها تعدل ثلث القرآن في عدة أخبار، واختلف في المراد بذلك، فقيل: المراد أنها باعتبار معناها ثلث من القرآن المجزء إلى ثلاثه، لا أَن ثواب قراءَتها ثلث ثواب القرآن، وإلى هذا ذهب جماعة، لكن اختلفوا في بيان ذلك، فقيل: إن القرآن يشتمل على: قصص، وأحكام وعقائد، كلها ممَّا يتعلق بالعقائد؛ فكانت ثلث القرآن بذلك الاعتبار، وقيل غير ذلك، قال الآلوسي: ويؤيد اعتبار الأَجزاء القصص، والأحكام، والعقائد دون الثواب ما في صحيح مسلم عن قتادة عن أَبي الدرداء أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَيَعجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ كُلَّ يَوم ثُلُث القُرْآنِ؟ " قالوا: نعم، فقال: "إنَّ اللهَ جَزَّأَ القُرْآنَ ثُلاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُلُثُ القرآنِ".
وقيل: المراد: تعدل ثلث القرآن ثوابًا لظواهر الأحاديث الواردة في ذلك، قال الآلوسي: والذي أَختاره أن يقال: لا مانع من أن يخص الله سبحانه بعض العبادات التي ليس فيها كبير مشقة بثواب أكثر من ثواب ما هو من جنسها وأَشق منها بأَضعاف مضعفة، وهو سبحانه لا حجر عليه ولا يتناهى جوده وكرمه، فلا يبعد أن يتفضل -جل وعلا- على قارئ القرآن بكل حرف عشر حسنات، ويزيد على ذلك أضعافًا مضاعفة - لقارئ الإخلاص، بحيث يعدل ثوابه ثواب قارئ ثلث منه غير مشتمل على تلك السورة، وتُفَوِّض حكمة التخصيص إلى علمه سبحانه، وكذا يقال في أمثالها، وهذا مراد من جعل ذلك من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، والأحاديث الصحيحه الواردة فيها تكفي في فضلها.