وتتباعد عنه أَصحاب الهمم العالية: وروى عن ابن عباس أَنه سئل عن الهمزَةِ اللُّمَزَةِ فقال: "هو المشَّاءُ بالنميمة، المُفَرِّق بين الجمع، المُغْري بين الإخوان.
قيل: نزلت السورة في الأَخنس بن شريق، كان يلمز الناس ويغتابهم، وقيل: في أُمية ابن خلف؛ وكان يهمز النبي ويعيبه، وقيل: في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب الرسول ويغض منه، ثم بيَّن التَّنْزِيل سبب عيبه وطعْنه في الناس فقال:
2 - (الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ):
أَي: إِن الذي دعاه إلى الحطِّ من الناس والغضِّ من أَقدارهم والزراية عليهم هو جمعه للمال وتعديده له -أي: عَدُّه مرة بعد أُخرى؛ حبًّا له، وشغفًا به، وتهالكًا عليه، وقيل: جعله أَصنافًا وأنواعًا: كعقار، ونقود، أَو جعله عُدَّةً المصائب الأَيام ومدخرًا لنوائب الدهر ونوازله، وتنكير (مَالًا) للتكثير، ويجوز أَن يكون للتحقير والتقليل باعتبار أَنه عند الله أَقل وأَحقر، ثم بين سبحانه خطأَه في ظنه فقال:
3 - (يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ):
أَي: يظن ذلك العيّاب الطَّعّان أن ما عنده من المال جعله خالدًا، والمراد أن المال طوَّل أَمله ومنَّاه الأَماني البعيدة، فهو يعمل من تشييد البنيان، وغرس الأَشجار، وشق الأَنهار، ونحو ذلك، عَمَلَ من يظن أَن ماله أَبقاه حيا، والإِظهار في (مَالَهُ) في مقام الإِضمار لزيادة التقرير، ويجوز أَن يراد أَنه حسب ذلك حقيقة؛ لفرط غروره واشتغاله بالجمع والتكاثر عما أَمامه من قوارع الآخرة، أَو لزعمه أن الحياة والسلامة عن الأَمراض تدور على مراعاة الأَسباب الظاهرة، وأَن المال هو أَساس كمل شيءٍ، وأَنه هو الذي يصنع كل شيءٍ، وهذا زعم فاسد، ثم أَخذ - سبحانه وتعالى - في بيان ما أَعد لهم من العذاب الشديد فقال:
4 - (كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ):
كلَّا: ردع له عن كل ما تضمننه الجمل السابقة من الصفات القبيحة (لَيُنْبَذَنَّ) جواب قسم مقدر، والجملة استئناف مبين لعلة الردع، أي: والله ليُطْرَحَنَّ وَيُلْقَيَنَّ بسبب