أَي: إِنهم في الآخرة في جهنم، بمعنى: يصيرون إِليها يوم القيامة، أَو إِنهم فيها الآن على معنى أَن ملابستهم لما يوجبها منزل منزلة ملابستهم لها أو يعذبون في قبورهم (خَالِدِينَ فِيهَا) أَي: إِن عذابهم فيها لا ينقطع وسيبقى أبدَ الآبدين، واشتراك الفريقين في الخلود لا ينافي تفاوت عذابهم في الكيفية، فإِن جهنم دركات وعذابها أَلوان، فيُعذب أَهل الكتاب بنوع من العذاب في درك منها، ويُعذب المشركون في درك أَسفل منه بعذاب أَشد، لأَن الشرك ظلم عظيم، وقد استدل بالآية على خلود الكفار مطلقًا في النار.
(أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ): أَشير إِليهم باعتبار اتصافهم بما اقترفوه من القبائح المذكورة فهم بذلك شر الخليفة، والمراد أَنهم شر الناس أَعمالا لكفرهم مع علمهم بصحة رسالته صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم لمعجزاته الذاتية والخارجية، ولما أَقدموا عليه من تحريف الكلم عن مواضعه، وصد الناس عنه صلى الله عليه وسلم ومحاربتهم له. فتكون الجملة في حيز التعليل لخلودهم في النار.
7 - 8 - (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8))
بيان لمحاسن أَحوال المؤمنين إِثر بيان سوءِ حال الكافرين وفق المتبع في السنة القرآنية من شفع الترهيب بالترغيب، أَي: إِن الذين آمنوا إِيمانًا يقينيًا، قارن فيه التصديق القلبي العمل الصالح بالجوارح (أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أَي: هؤلاء المؤمنون المنعوتون ببلوغ الغاية من الشرف والفضيلة في الإِيمان والطاعة هم خير الناس ثوابًا حيث يكون (جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) أَي: إِن جزاءَهم في الآخرة بمقابلة مالهم من الإِيمان الصادق، والعمل الطيب جنات إِقامة تجري من تحت أَشجارها الملتفة، وأَغصانها المتشابكة، وبين قصورها العالية أَنهار صافية رقراقة لزيادة المتعة، وكمال النعيم، يتمتعون فيها بفنون النعم الجسمانية والروحانية، لا يموتون ولا يخرجون منها، فهم في نعيم دائم لا ينقطع، والتعرض في قوله -سبحانه-: (جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) لعنوان الربوبية المنبئة عن التربية والبلوغ بهم إِلى الكمال مع الإِضافة