(إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ) أَي: وما تفرقوا في وقت من الأَوقات إِلا من بعد ما تبينوا الحجة الواضحة الدالة على أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الموعود به في كتبهم دلالة جلية لا شك فيها.

وحاصل المعنى مختصرا: أَن أَهل الكتاب والمشركين ظلوا مستمسكين بما وعدوا به، وتعاهدوا عليه من الإِيمان بالنبي الموعود به في التوراة والإِنجيل لغاية هي بعثته صلى الله عليه وسلم التي جعلوها ميقاتًا للإِيمان به، واتباع النور الذي أَنزل معه تنفيذًا لما وعدوا به، وتعاهدوا عليه، وكان مقتضى ذلك أَن يؤمنوا به بعد بعثه، وينصروه نصرًا مؤزرًا، ولكنهم تفرقوا واختلفوا فمنهم من آمن بنبوته صلى الله عليه وسلم وهدي إِلى صرط مستقيم، منهم من أَعرض وجحد وأَنكرها طغيانًا وحسدًا.

5 - (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ):

إِشارة لغاية قبح ما فعل اليهود والنصارى من تفرق في الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم مع أَنهم ما كلفوا بما كلفوا به في كتابهم لشيءٍ من الأَشياءِ إِلا بأَن يعبدوا الله، فتكون عبادة الله هي المأْمور بها فحسب (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أَي: جاعلين دينهم خالصًا له تعالى، منزوهًا عن الشرك والنفاق (حُنَفَاءَ): مائلين عن الأَديان الباطلة إِلى الدين الحق، مؤمنين بالرسل جميعًا، إِذ كانت ملتهم - عليه السلام - هي التوحيد، وهي الملة الحنيفية الحقة.

(وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ) كما أُمروا بالصلاة والزكاةِ في شريعتهم، وعليه فالأَمر بهما ظاهر، وإِن أُريد ما في شريعتنا فمعنى أَمرهم بها في كتابهم: أَن أَمرهم باتباع شريعتنا أَمر لهم بجميع أَحكامها التي هما من جملتها.

(وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) إشارة إِلى ما ذكر من عبادة الله بالإِخلاص له، وإِقامة الشرائع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015