قال: فأَخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أَرسلني، فقال: اقرأْ فقلت: ما أَنا بقاري، فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أَرسلني، فقال: اقرأْ، فقلت: ما أَنا بقارئ، فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، فقال: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" حتى بلغ " عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" فرجع بها رسول الله ترتجف بوادره (?) حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: "يا خديجة مالي"؟! وأَخبرها الخبر. وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من محله.
والمعنى: اقرأْ ما يوحى إِليك من القرآن الكريم، فإِن الأَمر بالقراءَة يقتضي مقروءًا قطعًا، أَي: اقرأْ ملتبسًا باسم ربك، أَعني مبتدئًا به، لتتحقق مقارنته لجميع أَجزاء المقروءِ، كأَنه قيل: سمّ باسم ربك ثم اقرأْ، وهو ظاهر في أَنه لو افتتح بغير اسمه عز وجل لم يكن ممتثلًا، وهذا أَول خطاب إلهي وجه إِلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال الآلوسي: والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التربية والتبليغ إِلى الكمال اللائق شيئًا فشيئًا مع الإِضافة إِلى ضميره - عليه السلام - للإِشعار بتبليغه -عليه الصلاة والسلام- إِلى الغاية القاصية من الكمالات البشرية بإِنزال الوحي المتواتر. أهـ.
ووصف الرب بقوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ) لتذكير رسوله صلى الله عليه وسلم أَول النعماءِ الفائضة عليه، -صلوات الله وسلامه عليه- منه تعالى -وهي الخلق- مع ما في ذلك من التنبيه على أَنه تعالى قادر على تعليم القراءَة بأَلطف وجه، إِذ القادر على الخلق والإِيجاد لا يعجزه قطعًا تعليم القراءَة.
وقيل: أُريد بوصف الرب بالذي خلق في قوله: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ" تأكيد عدم إِرادة غيره تعالى من الأَرباب، فإِن العرب كانت تسمى الأَصنام أَربابًا لكنهم لا ينسبون الخلق إِليها.
ولم يذكر مفعول خلق، لأَنه في معنى فِعْل لازم، أَي: الذي حصل منه الخلق، واستأَثر به، أَو أَنه لم يذكر لأَنه أُريد تقديره بأَمر عام، كأَن يقال: الذي خلق كل شيءٍ، فيتناول كل مخلوق لأَنه مطلق، فليس بعض المخلوقات أَولى بتقديره من بعض (خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ).