التفسير
5 - (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ):
أَي: أَيظن هذا الشقي الذي يؤدى ويناوئ الرسول ويصد عن سبيل الله ويستذل المؤمنين ويستضعفهم، أَيظن أَلاَّ يقدر أَحد على أَن ينال منه أَو يصيبه بالأَذى والضرر، ويخال ويظن أَنه يقونه وجبروته وماله وسلطانه لا يقدر أَحد على الانتقام منه ومكافأَته على سوءِ صنيعه؟ إِن الله خلقه في المشاق والشدائد والمكابدة التي لا يستطيع منها فكاكًا ولا تحولًا إِنه - سبحانه- قادر عليه لا يفلت من قبضته ولا يهرب من سلطانه، فهو وغيره من المخلوفات كلها تحت قهر عظمته ورهن قدرته ووفق مشيئته وإِرادته، ولو كان الأَمر للإِنسان لما اختار هذه الشدائد.
والاستفهام هنا جاءَ إِنكارًا وتهديدًا لكل إِنسان بدر منه ذلك، وإِن قيل: إِن الآية نزلت في أَشخاص بأَعيانهم كأَبي الأَشد أُسيد بن كلدة الجمحي، أَو الوليد بن المغيرة، أَو أَبي جهل عمرو بن هشام، أَو الحارث بن عامر.
6 - (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا):
أَي: يقول هذا الصِّنف من الناس -افتخارًا واعتزازًا بما لديه من طريف المال وتليده- يقول: أَهلكت وأَنفقت مالًا كثيرًا في المفاجر والعظائم والمعالي والمكارم، فمن الذي يحاسبني عليه، وفي الحق أَن الأَمر ليس كما يزعم هذا السفيه، بل إِن الأَموال التي أَهلكها كانت معول هدم وأَداة تخريب وتسلُّط. وانتهاكًا للحرمات، وترويعًا للآمنين، وتعبيدًا للأَحرار وهتكًا للأَعراض، وسفكًا للدماءٍ، وتضييعًا للعقول، وكانت عاقبة أَمرها سوءًا وذلك باستعمالها للصدّ عن سبيل الله وإِيذاءِ رسوله صلى الله عليه وسلم والتنكيل بمن آمن به وصدق، وهذا السفيه وأَمثاله مع ذلك يحسبون أَنهم يحسنون صنعًا، وأَنهم إِذا رجعوا إِلى ربهم يوم القيامة ستكون لهم العاقبة الحسنى، وقد حكى الله عنهم ذلك بقوله: "وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى" (?) وكَذَبُوا؛ فقد خيَّب الله ظنهم ورد عليهم بقوله: "فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا