4، 5 - (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى):
أَي: أَنَّه - جل وعلا - أَنبت ما ترعاه الدواب أَخضر غضًّا يكاد يبرق ويتلأْلأُ من طراوته، ثم جعله بعد ذلك (غُثَاءً) أَحوى: يابسًا جافًّا كأَوراق الشجر البالية، والحشائش والأَخلاط مما يقذف به السيل على جانب الوادي، ومنه: غثاء السيل. والعرب تسمي القوم إِذا اجتمعوا من قبائل شتى أَخلاطًا وغثاءً (أَحْوَى): من الحوة: وهي سواد يضرب إِلى الخضرة؛ إِشارة إِلى بلوغه الغاية في القدم، فهو صفة مؤكدة للغثاءِ لأَن الغثاءَ إِذا قدم وأَصابته المياه حتى اسود وتعفن صار أَحوى.
وتفسر الحُوَّة بشدة الخضرة، ولا ينافي ذلك تفسيرها بالسواد، لأَن شدة الخضرة ترى في بدءِ النظر إِليها كالسواد، والمعنى: أَخرج المرعى حال كونه أَحوى من شدة الخضرة، فجعله غثاءً بعد ذلك.
6، 7 - (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى):
بيان لهداية الله - تعالى - الخاصة برسوله صلى الله عليه وسلم إِثر بيان هدايته -تعالى- العامة لسائر مخلوقاته، وهي هدايته - علية الصلاة والسلام - لتلقي الوحي، وحفظ القرآن الكريم الذي هو هدى للعالمين، وتوفيقه لهداية الناس أَجمعين.
والسين إِما للتأْكيد، وإِما لأَن المراد: إِقراءُ ما أَوحَي إِليه حينئذ، وما سيوحي إِليه بعد ذلك.
والمعنى. ستقرئك ما أُوحي إِليك الآن، وما يوحى إِليك بعد ذلك على لسان جبريل عليه السلام وذلك بأَن يقرأَ جبريل عليه السلام ما يقرأُ على الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي وهو أُمِّيٌّ لا يكتب ولا يقرأُ فيحفظه ولا ينساه في وقت من الأوقات: لفترة الحفظ والإِتقان، ليكون ذلك آية أُخرى للرسول صلى الله عليه وسلم وجُوِّزَ أَن يكون المعنى: سنجعلك قارئًا بإِلهام القراءَة بدون تعليم أَحد إِياك كما هي العادة، ولما كان الوعد بعدم الإِنساءِ على وجه