إِلى قوله تعالى: "أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ" (?) فهؤُلاءِ الأَبرار الطائعون الأَخبار يشملهم الله برضوانه ويدخلهم في نعيمه وجناته، ويقيهم عذابه، ويحفظهم من سخطه وعقابه.
14 - (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ):
أَي: وإِن الفجرة الذين شقوا وهتكوا ستر الدين، وجاهروا الله بالمعاصي ولم يستحيوا منه سبحانه إِن هؤُلاءِ لمحاطون بالنار تضمهم وتشملهم وقد اشتد تأَججها وعَظُمَ لهيبها.
15 - (يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ):
أَي: يدخلونها ويقاسون حرها ولظاها يوم الجزاء والحساب الذي كانوا به يكذبون.
16 - (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ):
هذه الآية الكريمة قد جاءَت قطعًا لرجاءِ الفجار وتيئيسا لهم من أَن ينقطع عنهم العذاب، وأَن ينالوا برد الراحة، أَي: أَنهم ليسوا بمنأًى عن النار وعذابها طرفة عين، وهو كقوله تعالى: "وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا" (?) وذلك للدلالة على سرمدية العذاب ودوامه. وقيل معناه: وما كانوا غائبين عن النار قبل ذلك بالكلية، بل كانوا يجدون سَمومها ولَفْحها ولظاها في قبورهم، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "القبُر روضةٌ من رياض الجنة أَو حُفْرةٌ من حُفَر النار".
وفي تنكير النعيم والجحيم ما يشير إِلى التفخيم والتعظيم في شأْن نعيم الأَبرار، وإِلى التهويل والتبشيع في حق عذاب الفجار. قيل: أَخبر الله في هذه السورة أَن لابن آدم ثلاث حالات: حال الحياة التي يحفظ فيها عمله، وهي حالته في الدنيا، وحال الآخرة التي يجازي فيها، وحال البرزخ وهو قوله تعالى: "وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ".