وهي صيحة القيامة سميت بذلك لأَنها تصخ الأَسماع، أَي: تبالغ في إِسماعها حتى تكاد تصمها، وقال الخليل: هي صيحة تضخ الآذان صخا لشدة وقعها، وأَيًّا ما كان فهم اسم من أَسماءِ يوم القيامة كما يقول ابن عباس: الصاخة اسم من أَسماءِ يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده، وقد وصفت بها النفخة الثانية لأَن النَّاس يصيخون لها، أَي: يستمعون، تدفعهم شدتها إِلى أَن يسرعوا قيامًا ينظرون، وجواب (إِذا) مقدر، والمعنى: فإِذا صخت الصاخة شغل كل إِنسان بنفسه.
34 - 36 - (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ):
يوم: تفسير للصاخة، أَي: في هذا اليوم الذي ذهبت فيه هذه الحياة الدنيا، وجاءَت الصاخة يكون شأْن ذلك الإِنسان مع المذكورين في الآيات، أَنه يعرض عنهم حينما يراهم، ويفر منهم ولا يسأَل عنهم كما في الدنيا؛ لأَن الهول وعظيم والخطب جسيم. قال عكرمة: يلقى الرجل زوجته فيقول لها: يا هذه أَي بعل كنتُ لك؟ فتقول: نِعْمَ البعل كنتَ، وتشنى بخير ما استطاعت، فيقول لها، فإِني أَطلب إِليكِ اليوم حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أَنجو مما ترَيْنَ. فتقول له: ما أَيسر ما طلبت، ولكني لا أُطيق أَن أُعطيك شيئًا؛ فإِني أَتخوف مثل الذي تخاف. وإِن الرجل ليلقى ابنه فيتعلق به فيقول: يا بني أَي والد كنتُ لك؟ فيشني بخير، فيقول له: يا بني إِني احتجت إِلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أَنجو مما تري، فيقول ولده: يا أَبت ما أَيسر ما طلبت، ولكني أَتخوف مثل الذي تتخوف، فلا أَستطيع أَن أُعطيك شيئًا. يقول الله تعالى. (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ ... ) الآيات.
وفي الحديث الصحيح: "إِذا طلب إِلى كلٍّ من أُولي العزم أَن يشفع عند الله في الخلائق يقول: نفسي نفسي، لا أَسأَلك اليوم إِلا نفسي ... إِلى آخر الحديث" قال في التسهيل: ذكر تعالى فرار الإِنسان من أَحبابه ورتبهم على مراتبهم في الحنو والشفقة، فبدأَ بالأَقل وختم بالأَكبر، وذلك بذكر الأَخ والأَبوين لأَنهما أَقرب منه ثم بالصاحبة والبنين لأَنهما أَحب.
قيل: أَول من يفر من أَخيه هابيل، ومن أَبويه إِبراهيم، ومن صاحبته نوح ولوط،