للرسول صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء حديثه معهم، وذهابه إلى أهله. وقيل: نزلت في أَثنانه فكان الرسول بعد ذلك يكرمه إذا رآه، ويقول له: "مرحبا بمن عاتبنى فيه ربي" ويبسط له رداءَه ويقول: "هل لك من حاجة؟ " واستخلفه على المدينة مرتين، فكان يصلي الناس، وهو من المهاجرين الأَولين. هاجر قبل النبي صلى الله عليه وسلم ومات شهيدًا بالقادسية يوم فتح المدائن في عهد عمر - رضى الله عنه - وقيل: رجع إلى المدينة فمات بها.
والمعنى: قطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه وأَعراض عن ابن أُم مكتوم بجسمه أَو بترك الإصغاء إليه حينما جاءَه يطلب منه أَن يقرئه، ويعلمه مما علمه الله ليزداد هداية، فقطع بطلبه كلامه - صلى الله عليه وسلم - أَثناء تشاغله مع أشراف قريش، والتعبير عنه بالأعمى للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلامه صلى الله عليه وسلم مع القوم، وفي ذلك عتاب له صلى الله عليه وسلم مع أَن الالتفات إلى الخطاب في قوله -سبحانه-: (وَمَا يُدْرِيكَ) إيناس بعد إيجاش، وإقبال بعد إعراض، أَي: ولو كنت درايًا بحاله لما بدر منك من عبوس وإعراض، ولعلمت بما هم مترقب منه من ترَكٍّ وتذكر، والتعبير عنه بالأَعمى مقترنًا بأَل الجنسية دفع لتوهم الاختصاص بالأَعمى المعين، وإيماءً إلى أَن كل ضعيف من مثله يستحق الإقبال عليه والرأْفة به (لَعَلَّهُ يزَّكَّى) أي: يتطهر من أَوضار الإثم بما يسمع منك من نصح وإرشاد، وعلم ومعرفة (أَو يَذَّكر فَتَنفعَهُ الذِّكرَى) أي: يتعظ بتذكيرك إياه فتنفعه ذكراك وموعظتك وإن لم تبلغ إلى درجة التزكى التام.
والترجى في الآية للدلالة على أَن رجاءَ تزكيه أَو كونه ممن يرجى منه ذلك كافٍ في الامتناع عن العبوس له، والإعراض عنه، فكيف وقد كان تطهره محققًا لأَنه من السابقين إلى الإسلام؟
وفي الآية تعريض وإشعار بأَن من تعرض صلى الله عليه وسلم لتزكيتهم وتذكيرهم من أَشراف قريش لا يرجى منهم التزكى والتذكر أصلا.
5 - 7 - (أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى):
تفصيل لما وقع منه صلى الله عليه وسلم أي: (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى) بماله وقوته عن سماع القرآن، والاتعاظ به، وعما عندك من العلوم والمعارف التي تهدي إلى خيري الدارين (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى)