وأَقسم -سبحانه- ثانيًا بالملائكة وهي من أَشد خلق الله قوة، ووصفها بالناشرات لأَنها تنشر أَجنحتها في الجو عند نزولها بالوحي، أَو لنشرها وإِحيائها النفوس التي تشبه المولى بسبب ما فيها من الكفر والجهل، وذلك بما تنزل به من لدن ربها على الأَنبياءِ والرسل من الوحي الذي تحيا القلوب به، كما نعتها بالفارقات لأَنها تفرق بين أَصالة الحق وزيف الباطل، وذلك بما تنزل به من عند ربها إِلى الرسل، ووصفها كذلك بالملقيات ذكرا لإِلقائها الذكر وهو الوحي على الأَنبياءِ ليبلغوا ذلك لأُممهم إِعذارًا وإِنذارًا، وهنا أَيضًا عطف (فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا) على (وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا) لبيان أَن تلك الصفات لموصوف واحد وهم الملائكة.
والمعنى: أَقسم -سبحانه- بكل من الريح التي يرسلها لعباده عذابًا لهم أَو رحمة بهم متتابعة ومتتالية كالعرف وهو ما يكون من شعر وريش على العنق من الفرس ونحوه، وأَقسم -كذلك- بالملائكة التي تنشر أَجنحتها عند النزول بأَمر الله أَو تنشر رحمته وتفرق بين الحق والأَبلج والباطل الزائف "عُذْرًا" أَي: تلقى الوحي على رسل الله لإِزالة إِساءة المسيئين الذين: أَخلصوا التوبة وأَنابوا إِلى ربهم، وذلك بقبول الله لأَعذارهم، قال الراغب: عذرت فلانًا: أَزلت نجاسة ذنبه بالعفو عنه، كقولك: غفرت له، أَي: سترت ذنبه.
أَو المراد أَن الله يزيل عذرهم ويقطع حجتهم التي قد يحتجون بها لدى الله كادعائهم أَن الله لم يرسل لهم من يرشدهم ويهديهم، فأَرسل إِليهم الرسل وذلك على حد قوله: "رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ" (?). (أَوْ نُذْرًا) أَي: لإِنذار المبطلين والعصاة وتخويفهم وترهيبهم.
(إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ): هذا هو جواب القسم، أَي: إِن الذي توعدون به على لسان الرسل من مجيء يوم القيامة وما فيه من نشر وحشر وحساب ثم إِلى جنة أَو إِلى نار هو واقع بكم ونازل عليكم لا محالة لأَنه الحق.