الآخِرَةَ) وذلك تعميم الخطاب للكل كأَنه قيل: بل أَنتم يابني آدم لما خلقتم من عجل، وجُبِلتم عليه تعجلون في كل شيءٍ، ولهذا تحبون العاجلة أَي الدار الدنيا والحياة فيها، وتذرون الآخرة أَي: وتتركون الآخرة والعمل لها، وقيل: الآخرة الجنة ويتضمن استعجالك حين تتلقى الوحي؛ لأَن عادة بني آدم الاستعجال ومحبة العاجلة، وفيه أَيضًا أَن الإِنسان وإِن كان مجبولا على ذلك إلا أَن مثله صلى الله عليه وسلم ممن هو في أَعلى منصب وهو مقام النبوة لا ينبغي أَن يحمله مقتضى الطباع البشرية على ذلك.
ومن هذا يعلم أَن هذا متصل بقوله سبحانه: (بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) فإِنه مشير ومُلَوِّح إِلى معنى بل تحبون العاجلة .... إلخ.
وقوله عز وجل: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ) إلخ متوسط بين حُبِّى العاجلة -حبها الذي تضمنه (بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) تلويحًا، وحبها الذي آذن به قوله تعالى: (بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ) إلخ تصريحًا- لحسن التخلص منه إِلى المفاجأَة والتصريح في التفريع.
قال العلامة الآلوسي: والصحيح المأْثور الذي عليه الجمهور أَن الخطاب في قوله تعالى: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) للرسول صلى الله عليه وسلم والظاهر أَن التحريك قبل النهي إِنما صدر عنه عليه السلام بحكم الإِباحة الأَصلية فلا يتم احتجاج من جوز الذنب على الأَنبياء بهذه الآية -اهـ آلوسي بتصرف-.
22 - (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ):
لما ردع الله -سبحانه وتعالى- عن حب العاجلة وترك الآخرة عقب ذلك بما يتضمن تأكيد هذا الردع مما يشير إِلى حسن عاقبة حب الآخرة وسوءِ مغبة حب العاجلة فقال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) أَي: وجوه المؤْمنين المخلصين يوم القيامة حسنة جميلة متهللة من عظيم المسرة يشاهد عليها نضرة النعيم.
23 - (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ):
أَي: وجوه المؤْمنين إِلى ربها ناظرة يوم القيامة بدون تحديد بصفة أَو جهة أَو مسافة، أَي يرى المؤْمنون ربهم عيانًا يوم القيامة.