تأَخذوا بالأَكثر والأَوسع للاحتياط وذلك شاق عليكم (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) أَي: فرجع بكم إِلى التخفيف بالترخيص في ترك القيام المُقَدّر ورفع التبعة عنكم في تركه كما ترفع التبعة عن التائب، وعاد إِليكم بالعفو، وهذا يدل على أَنَّه كان فيهم من ترك بعض ما أُمِر به، وقيل: فتاب عليكم من فرض القيام إِن عجزتم، وأَصل التوبة الرجوع، فالمعنى رجع بكم من تثقيل إِلى تخفيف، ومن عسر إِلى يسر، وكانوا أَمروا بحفظ الأَوقات على سبيل التحري فخفف عنهم ذلك التحري.
(فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ) أَي: فَصَلُّوا ما يتيسر لكم من صلاة الليل، وعبّر عن الصلاة بالقراءَة كما عبر ببعض أَركانها فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) (?) أَي أَقيموا الصلاة، وقيل الكلام على حقيقته من طلب قراءَة القرآن بينهما قال السدي: مائة آية، وقال سعيد: خمسون.
ومن ذهب إِلى الأول قال: إِن الله فرض قيام مقدار معين من الليل في قوله تعالى: (قُمِ اللَّيْلَ) الآية إِلى قوله: (أَو زِدْ عَلَيْهِ) ثم نسخ بقيام مقدار ما منه في قوله سبحانه: (فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ) فالأَمر في الموضعين للوجوب إِلا أَن الواجب أولا كان معينًا محدودًا، والثاني كان بعضًا مطلقًا ثم نسخ وجوب القيام على الأُمة مطلقًا بالصلوات الخمس وغيرها.
ومن ذهب إلي الثاني قال: إِن الله رخص لهم في ترك القيام وأَمر بقراءَة شيء من القرآن ليلًا فكأَنه قيل: فتاب عليكم ورخص في التَّرك فاقرءوا ما تيسر من القرآن إن شق عليكم القيام فإِن هذا لا يشق وتنالون بهذه القراءَة ثواب القيام، وصرح جمع أَن قوله تعالى: (فَاقْرَءُوا) على هذا أَمر ندب بخلافه على الأَول.
قال العلامة الآلوسي: واعلم أَنهم اختلفوا في أَمر التهجّد:
1 - فعن مقاتل وابن كيسان أنه كان مفروضًا بمكة قبل أَن تفرض الصلوات الخمس، ثم نسخ بها إِلا ما تطوعوا به، ورواه البخاري ومسلم في حديث جابر، وقد روى ذلك