جميع من على وجه الأَرض من الكافرين حتى ولده من صلبه الذي اعتزل عن أَبيه وقال: (سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ) (?) الآية.

28 - {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)}:

خص - عليه السلام - والديه أَولًا بالدعاء بالمغفرة، ثم عمم المؤمنين والمؤمنات؛ لأَنهما أَحق وأَولى نسبًا ودينًا وكانا مؤمنين، ولولا ذلك لم يجز الدعاء لهما بالمغفرة، وقيل: أَراد بهما آدم وحواء.

(وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا) قال الضحاك: يعني دخل مسجدي، وبه قال الجمهور وابن عباس، ولا مانع من حمل الآية على ظاهرها، وهو أَنه دعا بالمغفرة لمن دخل منزله وهو مؤمن كما قال ابن كثير، وقيل: المراد بالدعاء لمن دخل سفينته أَو شريعته، وقيد الداخل بكونه مؤمنًا، لأَنه علم أَن من دخل مؤمنًا لا يعود إِلى الكفر، وبهذا القيد خرجت امرأَته، وابنه كنعان، ولكن لم يجزم بخروجه إِلاَّ بعد ما قيل له: إِنه ليس من أَهلك (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) من كل أُمة إِلى يوم القيامة، وذلك يعم الأَحياءَ منهم والأَموات وهو تعميم بعد تخصيص، واستغْفر ربه - عز وجل - إِظهارًا لمزيد الافتقار إِليه سبحانه وحبًّا للمستغفر لهم من والديه والمؤمنين. (وَلا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارًا) قال السدي: إِلا هلاكًا، وقال مجاهد: إِلا خسارًا في الدنيا والآخرة. قيل: هلك معهم أَولادهم أَيضًا لكن لا على وجه العقاب لهم، بل لتشديد عذاب آبائهم وأمهاتهم بهلاك أطفالهم الذين كانوا أَعز عليهم من أَنفسهم، وسئل الحسن عن ذلك فقال: قد علم الله براءَتهم فأَهلكهم بغير عذاب لهم.

وقيل: لم يكن معهم أَطفالهم حين غرقوا؛ لأَن الله سبحانه أَعقم أَرحام نسائهم وأَيبس أَصلاب آبائهم قبل الطوفان بأَربعين أَو سبعين عاما، وقد دعا - عليه السلام - دعوتين: دعوة على الكافرين بالتبار، ودعوة للمؤمنين بالمغفرة، وحيث استجيبت له الأُولى في حق الكفار، فاستحال أَلاَّ تستجاب له الثانية في حق المؤمنين، وهو سبحانه أَكرم الأَكرمين.

والله أَعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015