والمعنى: أَي دافع دفع هؤُلاءِ الكافرين إِلى أَن يسيروا نحوك مسرعين مادي أَعناقهم إِليك مقبلين بأَبصارهم عليك؛ يحلقون عن يمينك وشمالك حلقًا متعددة، يكوِّنون فرقًا شتى كل فرقة تعتزي وتنتسب إِلى غير من تعتزي له الأَخرى. ينكر الله تعالى على المشركين الَّذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهم مشاهدون له ولما أرسله الله به من الهدى، وأَيده به من المعجزات الباهرة، ثم هم مع هذا كله معرضون عنه مبالغون في تلمس ما يتخذونه هزءًا به، وسخرية منه حينما يرونه يصلي عنه الكعبة ويقرأُ القرآن قائلين: إِن دخل هؤُلاءِ الجنة - كما يقول محمد - فلندخلنها قبلهم، وقد رد عليهم سبحانه فأَبطل زعمهم حيث يقول عز وجل.
39،38 - {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)}:
إِنكار لقولهم وردع لهم عن طمعهم الكاذب في دخولها بلا إِيمان، لأَنا خلقناهم من أَجل ما يعلمون، وهو تكميل النفس بالإِيمان والطاعة، أَما من لم يستكملها بذلك، فهو بمعزل عن أَن يتبوأَ متبوأَ الكاملين، فمن أَين لهم أَن يطمعوا في دخول الجنة، وهم مكبون على الكفر والفسوق، وإِنكار البعث وهو معلوم لهم باعتبار سماعهم عنه من النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل المعنى: إِنا خلقناهم من نطفة قذرة لا تناسب عالم القدس كما خلقنا بني آدم كلهم، ومن حكمنا أَلا يدخل أَحد الجنة إِلاَّ بالإِيمان فلِم يطمع أَن يدخلها من لا إِيمان له؟ وفيه من الإِنكار عليهم والردع لهم ما فيه.
وقيل: الأَقرب أَنه كلام مستأنف (?) قد سيق تمهيدا لما بعده من بيان قدرته على أَن يهلكهم لكفرهم بالبعث والجزاء، واستهزائهم بالرسول والقرآن، وادعائهم دخول الجنة بطريق السخرية، وأَن ينشيءَ بدلهم قومًا آخرين خيرًا منهم، فإِن قدرته سبحانه على ما يعلمون من أَنه أَنشأَهم النشأَة الأُولى حجة واضحة على قدرته على ذلك. كما تفصح عنه فاء الفصيحة في قوله سبحانه: