لا ريب فيها، أَو هي التي تثبت فيها الأُمور الحقة من الحساب والثواب والعقاب، أَو التي تعرف بها الأُمور على الحقيقة.
وافتتحت السورة الكريمة بذكر القيامة بهذا الأُسلوب ليزيد الله المؤمنين إِيمانًا لهم بها؛ لأَنهم يعلمون أَنها الحق الثابت الذي لا يتغير، وإِن كانوا مشفقين منها وخائفين من وقعها، كما أَن هذا النسق البديع يقطع بأَن الذين يجادلون ويمارون في وقوعها أَو يتشككون في ذلك لفي بعد عن الحق وتجافٍ عن الصواب، قوله (مَا الْحَاقَّةُ) استفهام أُريد به التعظيم والتفخيم والأَصل: الحاقة ما هي؟ أَيْ: أَيّ شيء هي في صفتها وحالها؟ فوضع الظاهر (الْحَاقَّةُ) موضع المضمر تعظيمًا لشأنها وتهويلًا لأَمرها.
3 - {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)}:
هذا أَيضًا استفهام أُريد به التعظيم والتفخيم، أَي: أَي شيء أَعلمك بذلك اليوم؟
يعني أَنك لا علم لك بحقيقتها ومدى عظمها وشدة هولها؛ إِذ إِنها في العظم والشدة بحيث لا يصل إلي ذلك علم أَحد ولا همه، وكيفما قدرت حالها فهي أَعظم وأَشد من ذلك.
هذا والنبي صلى الله عليه وسلم كان عالمًا بالقيامة، ولكنه لمَّا لم يعاينها ولم يشاهدها فكأَنه ليس عالمًا بها، قال يحيى بن سلام: بلغني أَن كل شيء في القرآن (وَمَا أَدْرَاكَ) فقد أراه الله إِيَّاه، وعلمه، وكل شيءٍ قال: (وَمَا أَدْرَاكَ) فهو ممَّا لم يُعَلِّمه، كما روي عن سفيان بن عيينة: كل شيء قال فيه: (وَمَا أَدْرَاكَ) أُخبر به، وكل شيءٍ قال فيه: (وَمَا أَدْرَاكَ) فإِنه لم يخبر به. - ذكره القرطبي -.