فعصم الله نبيه صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، وذكر نحوه الماوردي والقرطبي وكذلك الكشاف مع اختلاف في بعض العبارات، وعبارة الكشاف: فقال الرجل لرسول الله: لم أَرَ كاليوم رجلًا - يريد بذلك أَنه لم يَرَ رجُلًا مثلَ الرسولِ - فعصمه الله.
ولقد صَحَّ من عدة طرق أَن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر، فالعين حق.
وذلك من خصائص بعض النفوس، ولله تعالى أَن يخص ما شاءَ منها بما شاء.
قال العلامة الآلوسي في تعقيبه على ذلك: وأَنا لا أَزيد على القول بأَنه من تأثيرات النفوس (ولا أُكيِّف ذلك) فالنفس الإِنسانية من أَعجب مخلوقات الله - عز وجل - وكم طوى فيها أَسرارًا وعجائب تتحيَّر فيها العقول ولا ينكرها إِلاَّ مجنون أَو جهول.
ولا يسعني أَن أُنكر العين لكثرة الأَحاديث الواردة فيها ومشاهدة آثارها على اختلاف الأَعضاء.
ولابن كثير كلام كثير في هذا المقام فليرجع إِليه من أراد.
(لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) أَي: يزلقونك بأَبصارهم وقت سماعهم القرآن؛ وذلك لشدة بغضهم وحسدهم لرسول الله حين سماعه (وَيَقُولُونَ) لغاية حيرتهم في أَمره - عليه الصلاة والسلام - ونهاية جهلهم بما في القرآن من عجائب الحكم وبدائع العلوم ولتنفير الناس منه: (إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ): أَي: ينسبونه إِلى الجنون): أَي: ينسبونه إِلى الجنون إِذا سمعوه يقرأ القرآن، أَي: حكموا بجنونه لسماعهم القرآن منه وهم يعلمون أَنه أَعقل الناس وأَحكمهم، وحيث كان مدار حكمهم الباطل ما سمعوا منه صلى الله عليه وسلم من القرآن رَدَّ - سبحانه - ذلك ببيان علو شأن القرآن وسطوع برهانه فقال: (وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ).
52 - {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)}:
الأُسلوب يفيد بطلان قولهم وتعجيب السامعين من جرأَتهم على التفوه بتلك الفرية العظيمة